للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الاتجاه جنح إليه الحنفية ومعلوم أن الترجيح عنده مقدم على الجمع، وللحنفية أن يقولوا بإعلال حديث ﴿من لم يبيت النية من الليل فلا صيام له﴾؛ حتى لا يلزمهم الجمع. وإعلاله هو الصحيح وتصحيح ابن حزم له متعقب. (١).

وعلى فرض تسليم صحته فهو لنفي الكمال بدليل حديث عاشورا، وهو الأصل الذي اعتمدوا عليه وذلك أن عاشورا أمر النبي بصيامه نهارًا ولم يكن الناس قد بيتوا النية وكان حينئذ إيجاب فيصح قياس صوم رمضان عليه؛ لأنه قياس واجب على واجب، وهذا أصل القياس الذي نبهنا عليه قبلًا.

ونوقش بأن الوجوب منازع فيه ولو سلم فإنه قد نسخ فكيف يقاس عليه.

ولكن نسخ وجوب الصوم في عاشوراء لا علاقة له بنية الواجب في النهار؛ لأن التعليل ينسحب إلى غيره. إلا لو قيل إن نسخ وجوبه يقتضي نسخ ما تعلق به من أحكام، وهذا غير بين.


(١) وقد اعترف الألباني أن الحديث معلول لا يصح لكنه بعد ذلك صححه لميل قلبه أن فتوى حفصة وغيرها لا تكون إلا عن رفع للنبي، وهذا متعقب لأن استنباط مثل هذا من كليات الشريعة الآمرة بالنية ممكن ولأن النية ركن الصوم ومعلوم أن بدايته أول طلوع الفجر فلابد أن تكون النية من الليل جزما فهذا من حيث النظر ليصح كل جزء من الصيام. قال الألباني: "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (٤/ ٣٠).
وجملة القول: أن هذا الحديث ليس له إسناد صحيح يمكن الاعتماد عليه سوى إسناد عبد الله بن أبى بكر، وهذا قد عرض له من مخالفته الثقات، وفقدان المتابع المحتج به ما يجعل النفس تكاد تميل إلى قول من ضعف الحديث، واعتبار رفعه شذوذا، لولا أن القلب يشهد أن جزم هذين الصحابيين الجليلين حفصة وعبد الله ابنى عمر وقد يكون معهما عائشة جميعا بمعنى الحديث وافتائهم بدون توقيف من النبي إياهم عليه، إن القلب ليشهد أن ذلك يبعد جدا صدوره منهم، ولذلك فإني أعتبر فتواهم به تقويه لرفع من رفعه كما سبق عن ابن حزم، وذلك من فوائده والله أعلم.

<<  <   >  >>