للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعقول يقطع بتخطئة ناقليه (١). ونحن نرى المصلوب على صلبه مدة طويلة وهو لا يسأل ولا يحيى، وكذلك يشاهد الميت على سريره وهو لا يجيب سائلا ولا يتحرك، ومن افترسته السباع، ونهشته الطيور، وتفرقت أجزاؤه في أجواف الطير، وبطون الحيتان وحواصل الطيور، وأقاصي التخوم، ومدارج الرياح، فكيف تجتمع أجزاؤه؟ أم كيف تتألف أعضاؤه؟ وكيف تتصوّر مسألة الملكين لمن هذا وصفه؟ أم كيف يصير القبر على من هذا حاله روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار؟

والجواب عن هذا من وجوه أربعة:

أحدها: أن الذي جاء بهذا هم الذين جاءوا بالصلوات الخمس وليس لنا طريق إلاّ ما نقلوه لنا من ذلك.

الثاني: ما ذكره القاضي لسان الأمة وهو: أن المدفونين في القبور يسألون، والذين بقوا على وجه الأرض؛ فإن الله تعالى يحجب المكلّفين عما يجري عليهم كما حجبهم عن رؤية الملائكة مع رؤية الأنبياء لهم. ومن أنكر ذلك فلينكر نزول جبريل على الأنبياء . وقد قال الله تعالى في وصف الشياطين: ﴿إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: ٢٧].

الثالث: قال بعض العلماء: لا يبعد أن ترد الحياة إلى المصلوب ونحن لا نشعر به كما أنا نحسب المغمى عليه ميتا، وكذلك صاحب السكتة، وندفنه على حسبان الموت، ومن تفرقت أجزاؤه فلا يبعد أن يخلف الله الحياة في أجزائه.

قلت: ويعيده كما كان، كما فعل بالرجل الذي أمر «إذا مات أن يحرق ثم يسحق ثم يذرّى حتى تنسفه الرياح» الحديث وفيه: «فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك أو قال: مخافتك» (٢). خرّجه البخاري ومسلم. وفي التنزيل ﴿فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ﴾ [البقرة: ٢٦٠] الآية.

الرابع: قال أبو المعالي: المرضيّ عندنا أن السؤال يقع على أجزاء يعلمها الله تعالى من القلب أو غيره، فيحييها ويوجه السؤال عليها، وذلك غير مستحيل


(١) وهذه شنشنة أهل الكلام والفلسفة والزندقة، ومن تبعهم ممن يدّعي العلم والعقل، وكذا بعض الضّلال ممن يدّعي حبّه وموالاته لأهل البيت، فتجدهم يتبجّحون بقولهم هذا القول، وليت شعري أيهما أحق أن يتّهم الحديث الصحيح المنقول إلينا برواية العدول الثقات، أم تلك العقول الخربة التي لا تستوعب إلا سفاسف الأمور، والله المستعان.
وانظر «درء تعارض العقل والنقل» لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية، و «العقلانيون أفراخ المعتزلة العصريون» للشيخ المفضال: علي بن حسن بن علي الحلبي الأثري - نفع الله بعلمه المسلمين.
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٧٨) ومسلم (٢٧٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>