للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يعلمه وإنما كان كذلك لأنه كالمستهين بحرمات الله، ومستحق لأحكامه، وهو كمن لم ينتفع بعلمه.

وقد قال رسول الله : «أشدّ الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه» وقد تقدم.

وروى أبو أمامة قال: قال رسول الله : «إن الذين يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم يجرون قصبهم في نار جهنم، فيقال لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن الذين كنا نأمر الناس بالخير وننسى أنفسنا» (١).

وقوله: تندلق، أي: تخرج، والاندلاق: الخروج بسرعة، يقال: اندلق السيف؛ خرج من غمده. وروي: فتنفلق، بدل فتندلق. والأقتاب: الأمعاء، واحدها: قتب، بكسر القاف، وقال الأصمعي: واحدها: قتيبة، ويقال لها أيضا:

الأقصاب، واحدها: قصبة، قاله أبو عبيد.

وقد قال : «رأيت عمرو بن لحي يجرّ قصبه في النار، وهو أول من سيّب السوائب» (٢).

قلت: إن قال قائل: قد تقدّم من حديث أبي سعيد الخدري أن من ليس من أهل النار إذا دخلوها أحرقوا فيها وماتوا، على ما ذكرتموه في أصح القولين، وهذه الأحاديث التي جاءت في العصاة بخلافه، فكيف الجمع بينهما؟

قيل له: الجمع ممكن، وذلك - والله أعلم - أن أهل النار الذين هم أهلها، كما قال الله تعالى: ﴿كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ﴾ [النساء: ٥٦] قال الحسن: تنضجهم النار في اليوم سبعين ألف مرة، والعصاة بخلاف هؤلاء فيعذبون وبعد ذلك يموتون. وقد تختلف أيضا أحوالهم في طول التعذيب بحسب جرائمهم وآثامهم.

وقد قيل: إنه يجوز أن يكونوا متألمين حالة موتهم، غير أن آلام المؤمنين تكون أخف من آلام الكفار، لأن آلام المعذبين وهم موتى أخف من عذابهم وهم أحياء، دليله قوله تعالى: ﴿وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ * النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ﴾ [غافر: ٤٥، ٤٦] فأخبر أن عذابهم إذا بعثوا أشد من عذابهم وهم موتى.


(١) أخرجه الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» رقم (٢١٣٦) بإسناد ضعيف، وأورده المصنف في «تفسيره» (١/ ٣٦٥، ٣٦٦) وتكلّم على إسناده هناك؛ فانظره غير مأمور.
(٢) أخرجه البخاري (٣٥٢١) ومسلم (٢٨٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>