للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوم القيامة كالرجل الشاحب فيقول: أنا الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك» (١). خرّجه ابن ماجه في سننه من حديث بريدة وإسناده صحيح.

فقوله: «يجيء القرآن» أي: ثواب قارئ القرآن، وقد جاء في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان الكلابي قال: سمعت رسول الله يقول: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تتقدمه سورة البقرة وآل عمران» وضرب لهما رسول الله ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال: «كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما فرقان من طير صوافّ تحاجّان عن صاحبهما» (٢).

قال علماؤنا: فقوله: «تحاجان عن صاحبهما» أي: يخلق الله من يجادل عنه بثوابهما ملائكة، كما جاء في بعض الحديث: «أنه من قرأ ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ﴾ [آل عمران: ١٨] خلق الله سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة».

قلت: وكذلك يخلق الله من ثواب القرآن والصيام ملكين كريمين فيشفعان له، وكذلك إن شاء الله سائر الأعمال الصالحة، كما ذكر ابن المبارك في «رقائقه»:

أخبرنا رجل، عن زيد بن أسلم، قال: بلغني أن المؤمن يتمثل له عمله يوم القيامة في أحسن صورة وأحسن ما خلق الله وجها وثيابا، وأطيبه ريحا، فيجلس إلى جنبه كلما أفزعه شيء أمّنه، وكلما تخوف شيئا هوّن عليه، فيقول له: جزاك الله من صاحب خيرا، من أنت؟ فيقول: أما تعرفني وقد صحبتك في قبرك وفي دنياك! أنا عملك كان والله حسنا، فلذلك تراني حسنا، وكان طيبا فلذلك تراني طيبا، تعال فاركبني فطالما ركبتك في الدنيا، وهو قوله تعالى: ﴿وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اِتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ﴾ [الزمر: ٦١] الآية، حتى يأتي به إلى ربه ﷿ فيقول: يا رب، إن كل صاحب عمل في الدنيا قد أصاب في عمله، وكل صاحب تجارة وصانع قد أصاب في تجارته، غير صاحبي هذا قد شغل فيّ نفسه، فيقول الله تعالى: فما تسأل؟ فيقول:

المغفرة والرحمة، أو نحو هذا. فيقول: فإني قد غفرت له، ثم يكسى حلّة الكرامة، ويجعل عليه تاج الوقار؛ فيه لؤلؤة تضيء من مسيرة يومين، ثم يقول: يا رب إن أبويه قد شغل عنهما وكل صاحب عمل وتجارة قد كان يدخل على أبويه من عمله، فيعطي أبويه مثل ما أعطي، ويتمثل للكافر عمله في أقبح ما يكون صورة وأنتن رائحة، ويجلس إلى جنبه، كلما أفزعه شيء زاده، وكلما تخوّف شيئا زاد خوفا منه، فيقول: بئس الصاحب أنت، ومن أنت؟ فيقول: أما تعرفني؟


(١) أخرجه ابن ماجه (٣٧٨١) بإسناد ضعيف، وقال الألباني: «ضعيف يحتمل التحسين».
(٢) أخرجه مسلم (٨٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>