للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نادى الجليل: خذوه يا ملائكتي … وامضوا بعبد عصى للنار عطشانا

المشركون غدا في النار يلتهبوا … والمؤمنون بدار الخلد سكّانا

فتوهّم نفسك يا أخي إذا تطايرت الكتب، ونصبت الموازين، وقد نوديت ونوه باسمك على رؤوس الخلائق؛ أين فلان بن فلان؟ هلمّ إلى العرض على الله تعالى، وقد وكلت الملائكة بأخذك، فقربتك إلى الله، لا يمنعها اشتباه الأسماء باسمك واسم أبيك، إذ عرفت أنك المراد بالدعاء، إذ قرع النداء قلبك فعلمت أنك المطلوب، فارتعدت فرائصك، واضطربت جوارحك، وتغيّر لونك، وطار قلبك، تخطي بك الصفوف إلى ربك للعرض عليه، والوقوف بين يديه، وقد رفع الخلائق إليك أبصارهم، وأنت في أيديهم وقد طار قلبك واشتد رعبك، لعلمك أين يراد بك.

فتوهّم نفسك وأنت بين يدي ربك، في يدك صحيفة مخبرة بعملك، لا تغادر بلية كتمتها، ولا مخبأة أسررتها، وأنت تقرأ ما فيها بلسان كليل، وقلب منكسر، والأهوال محدّقة بك من بين يديك ومن خلفك، فكم من بلية قد كنت نسيتها ذكّركها، وكم من سيئة قد كنت أخفيتها قد أظهرها وأبداها، وكم من عمل ظننت أنه سلم لك وخلص فردّه عليك في ذلك الموقف، وأحبطه بعد أن كان أملك فيه عظيما، فيا حسرة قلبك، ويا أسفك على ما فرطت فيه من طاعة ربك، ﴿فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ فعلم أنه من أهل الجنة ﴿فَيَقُولُ هاؤُمُ اِقْرَؤُا كِتابِيَهْ﴾ [الحاقة: ١٩] وذلك حين يأذن الله فيقرأ كتابه.

فإذا كان الرجل رأسا في الخير يدعو إليه ويأمر به ويكثر، تبعه عليه دعي باسمه واسم أبيه، فيتقدم حتى إذا دنا أخرج له كتاب أبيض بخط أبيض، في باطنه السيئات وفي ظاهره الحسنات، فيبدأ بالسيئات فيقرؤها فيشفق ويصفر وجهه ويتغير لونه، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه هذه سيئاتك وقد غفرت لك، فيفرح عند ذلك فرحا شديدا، ثم يقلب كتابه فيقرأ حسناته فلا يزداد إلا فرحا، حتى إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه هذه حسناتك قد ضوعفت لك فيبيض وجهه، ويؤتى بتاج فيوضع على رأسه، ويكسى حلّتين ويحلى كل مفصل فيه، ويطول ستين ذراعا - وهي قامة آدم - ويقال له: انطلق إلى أصحابك فبشرهم وأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا، فإذا أدبر قال: ﴿هاؤُمُ اِقْرَؤُا كِتابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ﴾ قال الله تعالى: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ﴾ أي مرضيّة قد رضيها ﴿فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ﴾ في السماء ﴿قُطُوفُها﴾ ثمارها وعناقيدها ﴿دانِيَةٌ﴾ أدنيت منهم فيقول لأصحابه هل تعرفونني؟ فيقولون: قد غمرتك كرامة الله من أنت فيقول أنا فلان ابن فلان ليبشر كل رجل منكم بمثل هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>