سورة التغابن [٦٤: ٩]
{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}:
{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ}: أي اذكروا يوم يجمعكم: يوم القيامة والبعث والحشر والجمع.
{لِيَوْمِ الْجَمْعِ}: اللام لام التّوقيت، يوم الجمع: اسم من أسماء يوم القيامة، يجمع الله فيه الأولين والآخرين في أرض المحشر، وكما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [الواقعة: ٤٩-٥٠].
وقوله تعالى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} [هود: ١٠٣].
{ذَلِكَ}: ذا اسم إشارة واللام للبعد.
{يَوْمُ التَّغَابُنِ}: اسم آخر من أسماء يوم القيامة، سمي يوم التّغابن: والتّغابن في الأصل مأخوذ من: الغبن وهو فوت الحظ أو أخذ الشّيء من صاحبه بأقل من قيمته، أو يبيع البائع بأقل من القيمة، أو يشتري المشتري بأكثر من الثّمن؛ أي: هو ضرر يلحق الفرد لخداع في عقد البيع والشراء. وفي هذه الآية يعني هو الّيوم الذي يظهر فيه غبن الكافر (بعدم الإيمان) وغبن المؤمن (بتقصيره في العمل الصالح والإحسان). وسمي كذلك؛ لأن أهل الجنة يغبنون أهل النار؛ لأن أهل الجنة يأخذون مقاعدهم في الجنة ويرثون مقاعد الكفار في الجنة.
{وَمَنْ}: شرطية.
{يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا}: الإيمان هو الاعتقاد الجازم بأنّ الله واجب الوجود، وأنّه رب كل شيء وخالقه ومليكه، وأنّه الإله الحق الذي يستحق العبودية والمنزَّه عن كل نقص وتوحيده.
{يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ}: والتّكفير يعني: يسترها عليه في الدّنيا ولا يعاقبه عليها في الآخرة. والسّيئات قيل: صغائر الذّنوب.
{وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}: تنبع من تحتها الأنهار.
{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}: الخلود استمرار البقاء إلى ما لا نهاية، يبدأ من وقت دخولهم الجنة.
ولم يقل يدخله بلفظ المفرد وإنما قال: (خالدين فيها) بلفظ الجمع؛ لأن في الصحبة استئناساً بعكس الوحدة.
{ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}: ذلك اسم إشارة يشير إلى تكفير السّيئات ودخول الجنات والخلود الأبدي، هو الفوز العظيم الّذي لا يعلوه فوزٌ, ولمقارنة هذه الآية مع الآية (١١) في سورة الطلاق وهي قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}؛ ارجع إلى سورة الطلاق للبيان، ومعرفة الاختلاف بين الآيتين. ارجع إلى سورة النساء آية (٧٣) لبيان معنى الفوز وأنواعه أو درجاته.