سورة الحديد [٥٧: ٢٣]
{لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}:
{لِّكَيْلَا}: اللام لام التّعليل، وكي حرف مصدري وتشير إلى السبب الحقيقي, ولا النافية.
{تَأْسَوْا}: من الأسى: الحُزن الشديد، وفيه نوع من الجزع والندم، وقد تطول, والحزن أشد من الأسى.
{عَلَى مَا فَاتَكُمْ}: على ما لم تحصلوا عليه من متاع أو خَلاق الدّنيا, ونعيمها؛ لأنه ليس مقدّراً لكم أو ليس من نصيبكم، أو لأنكم لم تقدّموا الأسباب الكافية للحصول عليه.
{وَلَا}: لا النّافية, تكرارها يفيد توكيد النّفي وفصل كل منهما على حدةٍ أو كلاهما معاً.
{تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}: فالفرح إذا بلغ حدّ الإعجاب بالنّفس يصبح مصيبة وقد يتحول إلى الاختيال والكبر, فالفرح بالأولاد والأموال من جبلة الإنسان والفرح غير مذموم، فهذا هبة من الله، ولكن المصيبة لماذا تتفاخر وتتكبر؟!
{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}: تقديم الله: الفاعل على الفعل يفيد القصر وإزالة الوهم من ذهن المخاطب. كلّ: للتوكيد, مختال: مشتقة من خَال: تكبّر، والكلمة مأخوذة من حركة الحصان حين يتخايل في حركاته عندما يركبه فارسه للسباق أو العرض، والحصان سمي خيلاً؛ لأنّه يتخايل, فخور: الذي يفخر بالقول أو بالشّعر، أو الأجداد والأنساب، أو بماله وجاهه. ارجع إلى سورة لقمان آية (١٨) وهي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} لمزيد في معنى مختال فخور.
لنقارن هذه الآية مع الآية (١٥٣) من سورة آل عمران.
آية الحديد: {لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}
وآية آل عمران: {لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: ١٥٣] الحزن أشد وأصعب وأبلغ من الأسى في آية الحديد؛ لأن آية آل عمران نزلت بعد غزوة أحد والحزن كان على أمرين:
١ - ما فاتهم من الغنائم.
٢ - ما أصابهم من الهزيمة والجراح.
أمّا آيّة الحديد: الأسى عامة على ما فاتهم من متاع الدّنيا وخَلاقها أو نعيمها؛ أي: أمر واحد.
وإذا قارنّا هذه الآية مع الآية (٣٠) من سورة الشّورى وهي قوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠] فهي تبين سبب المصائب: هو بما كسبت أيدي النّاس.
وإذا قارنّا هذه الآية من سورة الحديد وهي قوله: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} مع الآية (١٨) من سورة لقمان وهي قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: ١٨].
نجد أنّ الفرق بينهما يرجع إلى زيادة (إنّ) في آية لقمان، وإنّ تدل على التّوكيد, في لقمان يرجع ذلك إلى أنّه ذكر عدداً كثيراً من الصّفات التي تدعو إلى الفخر والاختيال مثل: رفع الصّوت والمشي في الأرض مرحاً والمشي بسرعة. فناسب ذلك زيادة أداة التوكيد (إنّ)، ولا ننسى قوله تعالى في سورة البقرة آية (٢٧٦): {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}: نزلت في سياق آكل الربا، والآية (٣٦) في سورة النساء وهي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}: في سياق العبادة والإحسان والطاعة، وأما الآية (١٠٧) في سورة النساء وهي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}: جاءت في سياق طعمة بن أبيرق.