{وَجَاءَ} ولم يقل وأتى، المجيء فيه معنى المشقة والصّعوبة فالرّجل جاء بمشقة وصعوبة.
{مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ}: من ابتدائية؛ أي جاء من أبعد مكان في المدينة؛ أي كان موجوداً في أقصى المدينة؛ أي خرج من بيته الّذي كان في أقصى المدينة، قيل: هي أنطاكية، وفي الآية (١٣) سماها القرية وفي هذه الآية سماها المدينة، كيف نفسر ذلك؟ لا تعارض بين الآيتين؛ فقد يكون خبر أصحاب القرية التي جاءها المرسلون قد انتشر، ووصل إلى المدينة التي كان يسكن فيها الرجل الصالح الذي جاء يسعى، فالقرية المذكورة في الآية (١٣) ليست هي نفس المدينة التي ذكرت في الآية (٢٠). من أقصى: قدم الجار والمجرور (من أقصى) على الفاعل (رجل). قيل: أن الرجل كان يسكن في أقصا المدينة، وجاء من المدينة إلى القرية التي جاءها المرسلون؛ أي: هناك اختلاف بين المدينة والقرية، أو أراد الله سبحانه أن يبين للسامع أن القرية كانت متسعة وكبيرة، وأطلق عليها المدينة.
{رَجُلٌ}: نكرة: والنكرة لتعظيم شأنه؛ أي رجل كامل الرّجولة، رجل من الرّجال لا يعرفه أهل المدينة ولا يعلمون شيئاً عن إيمانه حتّى لا يقال إنّهم تواطؤوا معه، قيل: هو حبيب بن النّجار.
{يَسْعَى}: يسرع في مشيه لبعد مكان إقامته واهتمامه على نصرة الحق والجهر بالدّعوة إلى الله وتبليغ النّاس وإعلان إيمانه بدون خوف وليؤيد الرّسل ومخاطراً بنفسه.
{قَالَ يَاقَوْمِ}: يا قوم: يا النّداء نداء ينبئ عن إشفاقه على قومه، ودعاهم قومه.
{اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}: في دعوتهم إلى توحيد الله وعبادته فهذه هي الغاية، ثمّ بيّن الأسباب الأخرى الدّاعية إلى اتباع المرسلين كما سيأتي في الآيات (٢١-٢٣).
لنقارن هذه الآية (٢٠) من سورة يس: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}، مع الآية (٢٠) من سورة القصص: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّى لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}:
أولاً: آية يس قدّم (من أقصى المدينة) على (رجل)؛ أي هو رجل جاء من أقصى المدينة؛ لأنّه يسكن في أقصى المدينة (خرج من بيته الّذي هو في أقصى المدينة) وجاء يسعى، أمّا في آية القصص قدّم (رجل) على (أقصى المدينة): هو رجل كان في أقصى المدينة حينذاك ولم يكن يسكن في أقصى المدينة وإنما صدفة كان موجوداً في أقصى المدينة فجاء يسعى.
ثانياً: مهمة الرّجل في آية يس أهم وأخطر بكثير من مهمة الرّجل في آية القصص، في يس جاء لينصر الحق ويجهر بالدّعوة إلى الله ويعلن إيمانه ويؤيد الرّسل، أمّا في القصص جاء الرّجل ليحذّر موسى لكي يخرج من المدينة ولم يكن مهدداً بالخطر، كما هو الحال في آية يس. ارجع إلى سورة القصص آية (٢٠) لمزيد من البيان والمقارنة.