سورة آل عمران [٣: ١٨٠]
{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}:
{وَلَا يَحْسَبَنَّ}: ارجع إلى الآية (١٧٨).
{يَبْخَلُونَ}: يمنعون الحق الواجب عليهم من زكاة، أو صدقة، أو إطعام جائع، أو ستر عارٍ.
{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}: الباء في بما: للإلصاق، الإيتاء: هو الإعطاء مع إمكانية أخذه منه مرة أخرى، الإيتاء: أعم من الإعطاء، ويشمل الأمور المادية والمعنوية. ارجع إلى الآية (٢٥١) من سورة البقرة.
وآتاهم الله من فضله: هنا يعني: المال، والعلم، وغيره، ولا ينفقون منه الواجب.
الذين يبخلون: بصيغة المضارع؛ لتفيد التجدد، والاستمرار.
{هُوَ خَيْرًا لَهُمْ}: هو: إشارة إلى البخل، هو: ضمير فصل يفيد الحصر والتوكيد.
{بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ}: حرف إضراب إبطالي؛ أي: ليس بخلهم خيراً لهم، بل هو شرٌّ لهم.
والخير كما قلنا: الشيء الحسن النافع.
والشر: هو الشيء الضار، وضده الخير، وتكرار هو: يفيد الحصر، والتأكيد.
{سَيُطَوَّقُونَ}: السين: للاستقبال القريب.
{مَا بَخِلُوا بِهِ}: اسم موصول يعني: الذي. سيكلفون ويحملون إثم الذي بخلوا به: إثم عدم دفع زكاة أموالهم، أو سيلزمون إثم ما بخلوا به إلزام الطوق للعنق، وقيل: طوق من النار.
{يَوْمَ الْقِيَامَةِ}: يوم يقوم الناس لرب العالمين للحساب والجزاء.
روى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مثِّل له شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك».
{وَلِلَّهِ}: تقديم الجار والمجرور هنا يفيد الحصر؛ أي: لله وحده ميراث السموات والأرض.
{مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: الله سبحانه وتعالى له ما في السموات، وما في الأرض، وهو مالك الملك الحقيقي وحده لا شريك له من الأزل إلى الأبد، وكل ما في الكون في السماء والأرض هو ملكه وحده، وما يملكه أي إنسان فقط مستخلف فيه، وبعد نفخه الصعق (النفخة الأولى)، وموت الخلائق جميعاً تبقى أموالهم، وأملاكهم لا أحد يُطالب بها، ويدَّعي أنها ملكه ولا قيمة لها.
والله سبحانه يستردُّ من الخلائق ما جعلهم مستخلفين فيه، وهو ليس في الحقيقة وراثة؛ لأن الوارث يرث شيئاً لم يكن ملكه من قبل، والله سبحانه له ما في السموات، وما في الأرض، وما بينهما من قبل أن يخلقهم.
{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}: خبير أحاط علمه ببواطن الأمور وظواهرها. وقدَّم بما تعملون على خبير؛ لأن سياق الآيات جاء في أعمال الكافرين، والمنافقين.
والانتقال من صيغة المخاطب (كقوله: سيطوقون) إلى صيغة (المخاطب) مباشرة (بما تعملون) بدلاً من قوله: بما يعملون؛ للمبالغة في الوعيد، وشدة الإثم.