سورة النساء [٤: ١٧]
{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}:
{إِنَّمَا}: كافة ومكفوفة تفيد الحصر والتوكيد.
{التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ}: أيْ: قبول التوبة مترتب على فضل الله؛ أيْ: إذا تابوا يقبل توبتهم بفضله، وليس وجوباً عليه أن يقبل التوبة.
{لِلَّذِينَ}: اللام: لام الاختصاص، والاستحقاق.
{لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ}: يعملون: بصيغة المضارع التي تدل حكاية الحال، أو على التجدُّد، والتكرار، ولم يقل: عملوا السوء.
{السُّوءَ}: الإثم، والذنب، والمعاصي، وسُمِّيَ سوءاً لسوء عاقبته.
{بِجَهَالَةٍ}: قيل ولم يقل بجهل، وإنما بجهالة: وهي عدم الرؤية؛ الجهالة: السفه، والطيش، وعدم التدبر في النتائج عن ثورة الشهوة، أو لم يقدَّر قيمة ما سيلحقه من إثم، ويفوته من ثواب.
والجهالة: هي حمق يصيب الشخص ساعة الشهوة، وقد تكون مرة واحدة، أو أكثر، ولم يقل: بجهل؛ لأن الجهل هو عدم العلم بالعقوبة، أو عاقبة المعصية.
إذن: جهلهم ليس ناتجاً عن عدم العلم، وإنما ناتج عن الجهالة، وهي السفه، والطيش، والحماقة.
{ثُمَّ}: ليست للتراخي في الزمن؛ لأنه قال بعدها: يتوبون من قريب، وإنما هي تعني: التباين بين عمل السوء، والتوبة من قريب (بالدرجة والفضل).
{ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}: يتوبون بعد وقوع المعصية، أو الذنب، ولا ينتظرون الزمن الطويل، والسؤال: لو أخَّر التوبة ألا تقبل منه؟ نعم تقبل منه، ولكن ماذا يحدث إذا مات؛ لأنه لا يدري أجله، ولا يضمن أن يعيش ثواني قليلة.
{فَأُولَئِكَ}: الفاء: للتوكيد. أولئك: اسم إشارة، واللام: للبعد.
{يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}: أيْ: يقبل الله توبتهم.
{وَكَانَ اللَّهُ}: كان تشمل كل الأزمنة: الماضي، والمضارع، والحاضر، والمستقبل.
{عَلِيمًا}: بأحوالهم، وأقوالهم، وأفعالهم، وتوبتهم.
{حَكِيمًا}: في تدبير شؤون خلقه وكونه، وفي أوامره ونواهيه.
إذن شروط التوبة في هذه الآية:
أولاً: فعل الذنب بجهالة.
ثانياً: التوبة من قريب.
والتوبة وردت بصيغ مختلفة، منها: التوبة من الله، التوبة على الله، التوبة إلى الله، التوبة عن عباده؛ فما هي أوجه الاختلاف؟
التوبة من الله؛ كقوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ}.
فآدم سأل ربه كيف أتوب؛ فعلمه جل جلاله كيف يتوب.
إذن التوبة من الله؛ تعني: تشريعاً؛ لأنه هو الذي شرع التوبة.
وانتبه إلى أنه لم يأتِ، أو يُذكر في القرآن كله؛ أيُّ آيةٍ تقول: يقبل التوبة من عباده، وإنما فقط ورد التوبة من الله.
{التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ}: قبولاً بفضله؛ أيْ: يقبل التوبة، وليس وجوباً عليه أن يقبل التوبة.
{التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}: كما ورد في سورة الشورى، آية (٢٥)؛ لأنه سبحانه علّم آدم التوبة، وهداه إليها، ثم قبلها منه، فيقال: التوبة عن عباده؛ يقصد بها التوبة نفسها (السياق في التوبة).
والتوبة من عباده: لم يأتِ في القرآن مثل هذه، وتعني: الجهة الصادرة منها التوبة.