تدخل فيما ستحاسب عليه النفس، ولكن الّذي سيحاسب عليه الله سبحانه هو العزم، أو ما يُبدي الإنسان، وليس ما يُخفي؛ أي: حين يبدأ بفعل المعصية أو السيئة ولا رجعة بعدها.
﴿فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾: يستر من أراد مغفرته، (واللام في لمن: للتوكيد)، يستره بفضله.
﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾: يعاقب من أراد تعذيبه.
﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾: على محاسبتكم، وجزائكم، ومغفرتكم، وعذابكم.
وفي هذه الآية قدَّم الإبداء (الإظهار) على الإخفاء، فقال: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِى أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾: للاهتمام، والمفروض من المؤمن أن يكون سرُّه كجهره، وليس كالمنافق الّذي يختلف ظاهره عن باطنه.
عن أبي هريرة قال: لما نزل على رسول الله ﷺ: ﴿لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِى أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ﴾: اشتد ذلك على أصحاب رسول الله ﷺ، فأتوا رسول الله ﷺ، ثم جَثَوْا على الرُّكب، فقالوا: أي: رسول الله! كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة، والصّيام، والجهاد، والصدقة، وقد أنزل الله هذه الآية، ولا نطيقها، فقال رسول الله ﷺ: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.
فلما قرأها القوم وذلّت (لانت) بها ألسنتهم، أنزل الله في إثرها: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾». رواه مسلم، وأحمد، وابن حبان.