سورة غافر [٤٠: ٣٥]
{الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِى آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}:
هذا كلام الله سبحانه معترض بين كلام مؤمن آل فرعون وكلام فرعون، هذه الآية تبدو كأنّها تتمة لقوله: (كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب الّذين يجادلون في آيات الله).
{الَّذِينَ}: اسم موصول تفيد الذّم وتعود على المسرفين المرتابين أو الّذين كفروا {مَا يُجَادِلُ فِى آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر: ٤].
{يُجَادِلُونَ فِى آيَاتِ اللَّهِ}: الجدال نوعان: جدال لإظهار الحق وهو جدال غير مكروه، وجدال بالباطل وهو مكروه.
الذين يجادلون في آيات الله؛ أي: يجادلون بالباطل وفي آيات الله الدّالة على صدق نبوة أنبيائه بأن يقولوا: ساحر أو كاهن أو كذاب، أو يجادلون في آيات الأحكام، أو يجادلون في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.
أما الآيات الكونية فلا أحد يستطيع أن يجادل فيها؛ لأنّ مبلغ علمهم قليل لا يُذكر.
{بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ}: السّلطان إما سلطان علم وبرهان وحُجة، أو سلطان قوة وقهر، وهم لا يملكون كلاهما ولذلك هم يجادلون بالباطل.
{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا}: أي هذا النّوع من الجدال هو جدال ممقوت؛ لأنّهم يجادلون الحق بالباطل، كبر مقتاً عند الله: أي يبغض الله سبحانه هذا النّوع من الجدال خاصة بغضاً شديداً ويبغضه الّذين آمنوا الّذين يتبعون الحق وإعلاء كلمة الله وإقامة الدّين.
{كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}: أي كما يطبع الله على قلوب هؤلاء المجادلين في آيات الله بغير سلطان أتاهم، يطبع على كلّ قلب متكبر جبار.
والطّبع أشد من الختم، والطّبع على القلب يعني: لا يدخل قلوبهم أيّ إيمان ولا يخرج منها أيّ كفر، والطّبع على قلوبهم هم سببه فهم الّذين اختاروا ذلك واستمروا في الجدال والكفر وابتعدوا كثيراً عن سبل الهداية فلم يعد هناك أملٌ في توبتهم فطبع الله على قلوبهم.
{عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}: الكبر هو إظهار عظم الشّأن ورفع النّفس فوق ما تستحق.
متكبر: عن قبول الإيمان بآيات الله والتّوحيد والجدال في آيات الله، متكبر بدون أن يملك أيّ مؤهلات للكبر.
{جَبَّارٍ}: صيغة مبالغة وهو القاسي المتكبر، الّذي يُكْرهُ النّاس على فعل ما لا يحبون فعله مستخدماً وسيلة الظّلم والقوة والقهر، أو يتعاظم بالقهر والقتل، والجبار: أبلغ من المتكبر.
لنقارن هذه الآية وهي قوله تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} ولو قال كذلك يطبع الله على قلب كلّ متكبر جبار؛ أي: بتقديم كلمة (كل) على كلمة (قلب) أو تأخيرها.
تقديم كلمة (كل) كقوله: كذلك يطبع الله على كلّ قلب متكبر جبار؛ تعني: كلّ قلوب المتكبرين الجبارين عموماً تصاب بالطّبع، وتعني الطّبع على القلب طبعاً تاماً كاملاً يشمل كلّ جزء من أجزاء القلب.
أما تأخير كلمة (كل) كقوله: كذلك يطبع الله على قلب كلّ متكبر جبار؛ تعني: كلّ قلوب المتكبرين الجبارين تصاب بالطّبع، وتعني الطّبع على القلب لا يشمل كلّ جزء من أجزاء القلب.