المناسبة: بعد أن أنكر اليهود بعثة ونبوّة محمّد ﷺ وأنكروا ما جاء فيها من البشارة بمحمّد، ولم يؤمنوا به أو ينتفعوا بتوراتهم، شبَّههم الله بالحمار الذي يحمل أسفاراً، فضربُ المثل غايته توضيحُ الغموض المجمل فحاملو التّوراة يماثلون أو يُشبهون الحمار في صفة واحدة هي الحمل.
﴿الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ﴾: أي كُلِّفوا أو أُمروا بتعلُّم التّوراة والعمل بها، ولم يقل الذين آتيناهم الكتاب أو أهل الكتاب؛ لأن في ذلك مدح لهم، وإنما الذين حملوا التوراة فيها معنى الذم وخاصة حين شبهوا بالحمار الذي يحمل أسفاراً.
﴿ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾: أي لم يتعلّموها ولم يعملوا بها، أو تعلّموا التّوراة ولكنّهم لم يعملوا بها؛ أي: يطبّقوها حيث كانت تصف لهم صفات هذا النّبي (محمّد) المبشّر به، والذي كانوا ينتظرونه، فلم يؤمنوا به ولم ينتفعوا بما في التوراة كمثل الحمار يحمل أسفاراً.
فالتوراة تشبه الأسفار: والأسفار جمع سِفر، والسِّفر: الكتاب الكبير أو الكتب الكبار الجامعة للعلوم النّافعة، والمعنى الثّاني: الأسفار تعني الكتب الواضحة المعاني من السّفر، والقول: أسفر الصُّبح؛ أي: انكشف بنوره؛ أي: يكشف لهم الطّريق المستقيم، وسَفرت المرأة: إذا كشفت عن وجهها، والمعنى الثّالث: سفرت البيت: كنسته وأزلت عنه التّراب حتى تنكشف أرضه، فهو يكشف لهم ما يحتاجونه من علوم الدّين والمنهج.