سورة البقرة [٢: ٢٧٥]
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}:
{الَّذِينَ}: الّذين اسم موصول.
{يَأْكُلُونَ الرِّبَا}: أي: يأخذون الربوا، والربا في اللغة: الزّيادة على رأس المال.
والربا نوعان: ربا النسيئة: وهو الزّيادة المشروطة الّتي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل، وربا الفضل: وهو بيع النقود بالنقود، أو الشّيء بالشيء مع الزّيادة. ارجع إلى سورة الروم آية (٣٩) لمزيد من البيان.
وعبر عن الأخذ بالأكل، أو شبه من يأخذ الربا بالذي يأكل الطعام؛ لأن الّذي يأخذ الربا هو شره جشع يأخذ باستمرار، أو بشكل متكرر؛ كالذي يأكل عدَّة مرات باليوم، أو لأننا حين نأكل الطعام الذي يُشترى بمال ربوي كأننا نأكل الربا؛ لأنّ الطعام يُشترى بالمال الربوي.
انتبه إلى كلمة الربوا بالواو، كتبت بهذا الشكل في سبع آيات، وكتبت الربا بالألف بهذا الشكل في آية واحدة فقط في سورة الروم، آية (٣٩).
والاختلاف يعود إلى أنّ الربوا بهذه الهيئة جاءت في سياق الربوا الكثير المتكرر، والربا بهذه الهيئة جاءت في سياق ذكر الربا القليل، أو غير المتكرر.
{لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}:
{لَا}: النّافية.
{يَقُومُونَ}: من قبورهم يوم البعث؛ أي: يخرجون من الأجداث.
{إِلَّا}: حصراً وقصراً.
{كَمَا}: الكاف: كاف التشبيه.
{يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}: المس: الصرع؛ أي: لا يقوم من قبره إلَّا كما يقوم المصروع من صرعه، أو المجنون من جنونه، أو نوبة جنونه.
والممسوس: المجنون؛ الّذي اختلط عقله.
كيف يقوم؟ يقوم على غير استواء، واتساق، ويسقط كلما نهض، ويتأرجح يمنة ويسرة، ثم يقع على الأرض، فيحاول الوقوف فيسقط وهكذا.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}:
{ذَلِكَ}: اسم إشارة؛ للبعد، إشارة إلى ما يحدث لهم يوم القيامة بسبب أكلهم الربا، وقد نُهُوا عنه.
وقولهم: {إِنَّمَا}: كافة مكفوفة تفيد التّوكيد.
{الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}: أي: اعتقدوا بأنّ الزّيادة الربوية عند حلول أجل الدَّين مثل أصل الثمن في العقد؛ أي: شبهوا الربا بالبيع؛ فاستحلوه.
وقالوا: إنما البيع مثل الربا، والأصل أن يقولوا: إنما الربا مثل البيع.
فهؤلاء ظهرت أعراض مرضهم، وهو المس الجنون، أو الخبل قبل مجيء يوم القيامة؛ حيث جعلوا المشبه مكان المشبه به، وهم لا زالوا في الدّنيا.
{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}:
{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}: إنكار على بطلان قياسهم: أنّ البيع مثل الربا، وأنه غير صحيح؛ لأنّ البيع أمر حلال، والربا أمر حرام، فلا يستويان.
{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ}: من: شرطية؛ أي: من بلَغه أمر التحريم؛ أي: بُلِّغ فانتهى.
{فَانْتَهَى}: أي: ترك أخذ الربا، وتوقف، الفاء: تدل على جواب الشرط.
{فَلَهُ مَا سَلَفَ}: فلا يؤاخذ على ما أكل من الربا قبل نزول التحريم.
{وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}: يوم القيامة يحكم في شأنه إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه على فعله، وليس أمره موكولاً إليكم لتحاسبوه على ما فعل.
{وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}:
{وَمَنْ عَادَ}: وأما من بُلغ ولم ينتهِ، ويحرم ما حرم الله، وعاد إلى أكل الربا {فَأُولَئِكَ}: الفاء: للتأكيد، أولئك: اسم إشارة للبعد.
{أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}: ارجع إلى الآية (٣٩) من سورة البقرة للبيان.