للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بها، ولا أخرج الباري من علمه لخلقه ما علمه هو من حقائق الأمور. قال: ولقد بالغت في الأول طول عمري ثم عدت القهقري إلى مذهب الكتب وإنما قالوا: إن مذهب العجائز أسلم لأنهم لما انتهوا إلى غاية التدقيق في النظر لم يشهدوا ما ينفي العقل من التعليلات والتأويلات فوقفوا مع مراسم الشرع وجنحوا عن القول بالتعليل، وأذعن العقل بأن فوقه حكمة إلهية فسلم. وبيان هذا أن نقول: أحب أن يعرف، أراد أن يذكر فيقول قائل: هل شغف باتصال النفع؟ هل دعاه داع إلى إفاضة الإحسان؟ ومعلوم أن للداعي عوارض على الذات وتطلبات من النفس وما تعقل ذلك إلا الذات يدخل عليها داخل من شوق إلى تحصيل ما لم يكن لها، وهي إليه محتاجة فإذا وجد ذلك العرض سكن الشغف وفتر الداعي، وذلك الحاصل يسمى غني والقديم لم يزل موصوفا بالغني منعوتا بالاستقلال بذاته الغنية عن استزادة أو عارض. ثم إذا نظرنا في إنعامه رأيناه مشحونا بالنقص والآلام وأذى الحيوانات، فاذا رام العقل أن يعدل بالإنعام جاء تحقيق النظر فرأى أن الفاعل قادر على الصفاء و الاصفاء، ورآه منزها بأدلة العقل عن البخل الموجب لمنع ما يقدر على تحصيله، وعن العجز عن دفع ما يعرض لهذه الموجودات من الفساد، فإذا عجز عن التعليل كان التسليم أولى. وإنما دخل الفساد من أن الخلق اقتضاؤه الفوائد ودفع المضار على مقتضى قدرته، ولو مزجوا في ذلك العلم بأنه الحكيم لاقتضت نفوسهم له التسليم بحسب حكمته فعاشوا في بحبوحة التفويض بلا اعتراض.

فصل

وقد وقف أقوام مع الظواهر فحملوها على مقتضى الحس، فقال بعضهم: إن الله جسم. تعالى الله عن ذلك. وهذا مذهب هشام بن الحكم وعلي بن منصور ومحمد ابن الخليل ويونس بن عبد الرحمن. ثم اختلفوا فقال بعضهم: جسم كالأجسام. ومنهم من قال: لا كالأجسام. ثم اختلفوا فمنهم من قال: هو نور، ومنهم من قال: هو على هيئة السبيكة البيضاء. هكذا كان يقول هشام بن الحكم. وكان يقول إن الإله سبعة أشبار بشبر نفسه ﴿تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا﴾، وأنه يرى ما تحت الثرى بشعاع متصل منه بالمرئي.

قلت ما أعجب إلا من حدة سبعة أشبار حتى علمت أنه جعله كالأدميين والآدمي طوله سبعة أشبار بشبر نفسه. وذكر أبو محمد النوبختي عن الجاحظ عن النظام أن هشام بن عبد الحكم قال في التشبيه في سنة واحدة.

<<  <   >  >>