للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العقاب بانتهاك تلك الحرمة، وقد ذكرنا في أول الكتاب هذا أن رجلا زبى بامرأة في الكعبة فمسخا حجرين (١)

ولقد دخلوا على أبي نواس في مرض موته، فقالوا له: تب إلى الله ﷿، فقال: ااى تخوفون؟! حدثني حماد بن سلمة عن يزيد الرقاشي عن أنس، قال: قال رسول الله : «لكل نبي شفاعة واني اختبأت شفاعت لأهل الكبائر من أمتي» (٢) أفترى لا أكون أنا منهم؟!

قال المصنف : وخطأ هذا الرجل من وجهين: أحدهما - أنه نظر الى جانب الرحمة ولم ينظر إلى جانب العقاب. والثاني - أنه نسي أن الرحمة انما تكون للتائب كما قال ﷿: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تاب (طه: ٨٢)﴾ وقال: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يتقون﴾ (الاعراف: ١٥٦) وهذا التلبيس هو الذى يهلك عامة العوام، وقد كشفناه في ذكر أهل الاباحة.

فصل

و من العوام من يقول: هؤلاء العلماء ما يحافظون على الحدود، فلان يفعل كذا وفلان يفعل كذا، فأمري أنا قريب. وكشف هذا التلبيس أن الجاهل والعالم في باب التكليف سواء، فغلبة الهوى للعالم لا يكون عذرا للجاهل. وبعضهم يقول: ما قدر ذنبي حتى اعاقب - ومن انا حتى أواخذ، وذنبي لا يضرة، وطاعتي لا تنفعه، وعفوه أعظم من جرمي كما قال قائلهم:

من أنا عند الله حتى إذا … أذنبت لا يغفر لي ذنبي

وهذه حماقة عظيمة، كأنهم اعتقدوا أنه لا يؤاخذ إلا ضدا أو ندا (٣). ثم ما علموا أنه بالمخالفة قد صاروا في مقام معاند. وسمع ابن عقيل رجلا يقول: من أنا حتى يعاقبني الله؟! فقال له: أنت الذي لو أمات الله


(١) تحدثنا عن ضعف هذا الخبر في أول الكتاب، وهو من رواية الواقدي في «المغازي»
(٢) في سنده يزيد الرقاشي وهو ضعيف، ولكن للحديث شواهد يرتقي بها الى درجة الصحة. فقد روى الترمذي من رواية عبد الرزاق عن معمر بن ثابت عن أنس، وقال: هذا حدث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وفي الباب عن جابر، ورواه من حديث بسطام بن حريث عن أشعث الحداني عن أنس، وابن ماجه عن جابر.
(٣) الند: المثل والنظير.

<<  <   >  >>