للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ذكر تلبيسه عليهم في دخول الفلاة بغير زاد]

قال المصنف : قد لبس على خلق كثير منهم فأوهمهم أن التوكل ترك الزاد، وقد بينا فساد هذا فيما تقدم، إلا أنه قد شاع هذا في جهلة القوم، وجاء حمقى القصاص يحكون ذلك عنهم على سبيل المدح لهم به، فيتضمن ذلك تحريض الناس على مثل ذلك، وبأفعال أولئك ومدح هؤلاء لهؤلاء فسدت الأحوال وخفيت على العوام طرق الصواب والأخبار عنهم بذلك كثيرة، وأنا أذكر منها نبذة.

أنبأنا محمد بن عبد الملك، نا أبو بكر، نا رضوان بن محمد الدينوري، ثنا طاهر بن عبد الله، ثنا الفضل بن الفضل الكندي، ثنى أبو بكر محمد بن عبد الواحد بن جعفر الواسطي، ثنا محمد بن السفاح عن علي بن سهل المصري، قال: أخبرني فتح الموصلي قال: خرجت حاجا فلما توسطت البادية إذا أنا بغلام صغير، فقلت: يا عجبا بادية بيداء وأرض قفراء وغلام صغير، فأسرعت فلحقته فسلمت عليه، ثم قلت: يا بني إنك غلام صغير لم تجر عليك الأحكام، قال: يا عم قد مات من كان أصغر سنا مني فقلت: وسع خطاك فان الطريق بعيد حتى تلحق المنزل، فقال: يا عم علي المشي وعلى الله البلاغ، أما قرأت قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (العنكبوت ٦٩) فقلت له: مالي لا أرى معك لا زادا ولا راحلة؟! فقال: يا عم، زادي يقيني وراحلتي رجائي، قلت: سألتك عن الخبز والماء، قال: يا عم، أخبرني لو أن أخا من إخوانك أو صديقا من أصدقائك دعاك إلى منزله أكنت تستحسن أن تحمل معك طعاما فتأكله في منزله، فقلت: أزودك، فقال: إليك عني يا بطال هو يطعمنا ويسقينا. قال فتح: فما رأيت صغيرا أشد تو كلا منه، ولا رأيت كبيرا أشد زهدا منه.

قال المصنف : بمثل هذه الحكاية تفسد الأمور ويظن أن هذا هو الصواب ويقول الكبير: اذا كان الصغير قد فعل هذا فأنا أحق بفعله منه. وليس العجب من الصبي بل من الذي لقيه، كيف لم يعرفه أن هذا الذي يفعله منكر، وان الذى استدعاك أمرك بالتزود ومن ماله يتزود ولكن مضى على هذا كبار القوم فكيف الصغار.

أخبرنا أبو منصور القزاز، نا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ، نا أبو نعم الأصفهاني، قال: سمعت محمد بن الحسن بن علي اليعيظي يقول:

<<  <   >  >>