للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ذكر تلبيسه على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر]

وهم قسمان عالم وجاهل، فدخول إبليس على العالم من طريقين: الطريق الأول - التزين بذلك وطلب الذكر والعجب بذلك الفعل، روينا بإسناد عن أحمد بن أبي الحواري، قال: سمعت أبا سلمان يقول: سمعت أبا جعفر المنصور يبكي في خطبته يوم الجمعة فاستقبلني الغضب و حضرتني نية أن أقوم فأعظه بما أعرف من فعله إذا نزل، قال: فكرهت أن أقوم إلى خليفة فأعظه والناس جلوس يرمقونني بأبصارهم فيعرض لي تزين (١) فيأمر بي فأقتل على غير صحيح (٢) فجلست وسكت.

والطريق الثاني - الغضب للنفس، وربما كان ابتداء، وربما عرض في حالة الآمر بالمعروف لأجل ما يلقى به المنكر من الإهانة فتصير خصومه لنفسه كما قال عمر بن عبد العزيز لرجل: لولا أنى غضبان العاقبتك، وإنما أراد أنك أغضبتني فخفت أن تمتزج العقوبة من غضب لله ولي.

فصل

فأما إذا كان الآمر بالمعروف جاهلا فان الشيطان يتلاعب به وإنما كان إفساده في أمره أكثر من إصلاحه لأنه ربما نهى عن شيء جائز بالإجماع، وربما أنكر ما تأول فيه صاحبه وتبع فيه بعض المذاهب، وربما كسر الباب وتسور الحيطان وضرب أهل المنكر وقذفهم، فان أجابوه بكلمة تصعب عليه صار غضبه لنفسه، وربما كشف ما قد أمر الشرع بستره وقد سئل أحمد ابن حنبل عن القوم يكون معهم المنكر مغطى مثل طنبور ومسكر قال: إذا كان مغطى فلا تكسره. وقال في رواية أخرى: اكسره. وهذا محمول على أنه يكون مغطى بشيء خفيف يصفه فيتبين والأولى على أنه لا يتبين وسئل عن الرجل يسمع صوت الطبل والمزمار ولا يعرف مكانه فقال: ولا عليك ما غاب عنك افلا تفتش. وربما رفع هذا المنكر أهل المنكر إلى من يظلمهم وقد قال أحمد بن حنبل: إن علمت أن السلطان يقيم الحدود فارفع إليه.

فصل

ومن تلبيس إبليس على المنكر أنه إذا أنكر جلس في مجمع يصف ما فعل.


(١) زين الشيء: حسنه وزخرفه.
(٢) اي على عمل غير صحيح.

<<  <   >  >>