للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمير المؤمنين أنى ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق، وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا، فأصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدين.

قلت: أبو الهيثم هذا يقال له: خالد الحداد، وكان يضرب المثل بصبره. وقال له المتوكل: ما بلغ من جلدك، قال: املأ لى جراب عقارب، ثم أدخل يدي فيه، وأنه ليؤلمني ما يؤلمك وأجد لآخر سوط من الألم ما أجد لأول سوط، ولو وضعت في فمي خرقة وأنا أضرب لاحترقت من حرارة ما يخرج من جوفي، ولكنني وطنت نفسي على الصبر. فقال له الفتح: ويحك مع هذا اللسان، والعقل ما يدعوك إلى ما أنت عليه من الباطل، فقال: أحب الرياسة، فقال المتوكل: نحن خليديه (١)، وقال الفتح: أنا خليدي، وقال رجل لخالد: يا خالد ما أنتم لحوم ودماء فيؤلمكم الضرب؟ فقال: بلى يؤلمنا، ولكن معنا عزيمة صبر ليست لكم. وقال داود بن علي: لما قدم بخالد اشتهيت أن أراه فمضيت إليه فوجدته جالسا غير متمكن الذهاب لحم إليتيه من الضرب، وإذا حوله فتيان فجعلوا يقولون: ضرب فلان، وفعل بفلان كذا، فقال لهم: لا تتحدثون عن غيركم افعلوا أنتم حتى يتحدث عنكم غيركم.

قال المصنف : فانظروا إلى الشيطان كيف يتلاعب بهؤلاء، فيصبرون على شدة الألم ليحصل لهم الذكر، ولو صبروا على يسير التقوى لحصل لهم الأجر. والعجب أنهم يظنون لحالهم مرتبة وفضيلة مع ارتكاب العظائم.

فصل

ومن العوام من يعتمد على نافلة ويضيع فرائض، مثل أن يحضر المسجد قبل الاذان ويتنقل، فإذا صلى مأموما سابق الإمام. ومنهم من لا يحضر في أوقات الفرائض ويزاحم ليلة الرغائب (٢). ومنهم من يتعبد ويبكي وهو مصر على الفواحش لا يتركها، فإن قيل له، قال: سيئة وحسنة والله غفور رحيم. وجمهورهم يتعبد برأيه فيفسد أكثر مما يصلح. ورأيت


(١) نسبة الى خالد على غير القياس.
(٢) أي ليلة صلاة الرغائب، وهي أول خميس من رجب، وهي اثنتا عشرة ركعة بين العشاءين وقد حدثت في سنة ٤٤٨ هـ في بيت المقدس، وظنها العامة انها مشروعة وهي مبتدعة.

<<  <   >  >>