للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتباهى به ويسب أصحاب المنكر سب الحنق عليهم ويلعنهم، ولعل القوم قد تابوا وربما كانوا خيرا منه لندمهم وكبره ويندرج في ضمن حديثه كشف عورات المسلمين لأنه يعلم من لا يعلم، والستر على المسلم واجب مهما أمكن. وسمعت عن بعض الجهلة بالإنكار أنه يهجم على قوم ما (١) يتيقن ما عندهم ويضربهم الضرب المبرح ويكسر الأواني وكل هذا يوجبه الجهل. فأما العالم إذا أنكر فأنت منه على أمان. وقد كان السلف يتلطفون في الإنكار. ورأى صلة بن أشيم رجلا يكلم امرأة، فقال: إن الله يراكما سترنا الله وإياكما. وكان يمر بقوم يلعبون فيقول: يا اخواني ما تقولون فيمن أراد سفرا فنام طول الليل ولعب طول النهار متى يقطع سفره. فانتبه رجل منهم فقال: يا قوم انما يعنينا هذا، فتاب وصحبه.

فصل

وأولى الناس بالتطلف في الإنكار على الأمراء فيصلح أن يقال لهم: إن الله قد رفعكم فاعرفوا قدر نعمته، فإن النعم تدوم بالشكر فلا يحسن أن تقابل بالمعاصي.

فصل

وقد لبس إبليس على بعض المتعبدين فيرى منكرا فلا ينكره ويقول: انما يأمر وينهي من قصد صلح وأنا ليس بصالح، فكيف آمر غيري وهذا غلط لأنه يجب عليه أن يأمر وينهي ولو كانت تلك المعصية فيه إلا أنه متى أنكر متنزها عن المنكر أثر إنكاره وإذا لم يكن متنزها لم يكد يعمل إنكاره، فينبغي للمنكر أن ينزه نفسه ليؤثر إنكاره. قال ابن عقيل: رأينا في زماننا أبا بكر الأقفالي في أيام «القائم» إذا نهض لإنكار منكر استتبع معه مشايخ لا يأكلون إلا من صنعة أيديهم كأبي بكر الخباز شيخ صالح أضر (٢) من إطلاعه في التنور وتبعه وجماعة ما فيهم من يأخذ صدقة ولا يدنس بقبول عطاء صوام النهار قوام الليل أرباب بكاء، فإذا تبعه مخلط (٣) رده وقال: متى لقينا الجيش بمخلط انهزم الجيش.


(١) أي دون ان يتيقن ويتثبت.
(٢) أي صار ضريرا.
(٣) خلط الشيء بالشيء: ضمه اليه ومزجه به، والمخلط: الذي يمزج عملا صالحا واخر سيئا.

<<  <   >  >>