للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل

واعلم أن الانبياء جاؤوا بالبيان الكافي، وقابلوا الأمراض بالدواء الشافي، وتوافقوا على منهاج لم يختلف. فأقبل الشيطان يخلط بالبيان شبها، وبالدواء سما، وبالسبيل الواضح جردا (١) مضلا. وما زال يلعب بالعقول إلى أن فرق الجاهلية في مذاهب سخيفة، وبدع قبيحة، فأصبحوا يعبدون الأصنام في البيت الحرام، ويحرمون السائبة (٢) والبحيرة (٣) والوصيلة (٤) والحامي (٥)، ويرون وأد البنات، ويمنعونهن الميراث، إلى غير ذلك من الضلال الذي سوله لهم إبليس، فابتعث الله محمدا ، فرفع المقابح، وشرع المصالح. فسار أصحابه معه وبعده في ضوء نوره، سالمين من العدو وغروره. فلما انسلخ نهار وجودهم أقبلت أغباش الظلمات، فعادت الاهواء تنشيء بدعا (٦) وتضيق سبيلا ما زال متسعا، ففرق الاكثرون دينهم وكانوا شيعا، ونهض إبليس يلبس ويزخرف، ويفرق ويؤلف وإنما يصح له التلصص في ليل الجهل، فلو قد طلع عليه صبح العلم افتضح.

فرأيت أن أحذر من مكايده، وأدل على مصايده، فإن في تعريف الشر تحذيرا عن الوقوع فيه. ففي الصحيحين من حديث حذيفة قال: «كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني». وقد أخبرنا أبو البركات سعدالله بن علي البزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي الطريثيثي، قال: أخبرنا هبة الله بن حسن الطبري، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن سهل، قال: ثنا محمد بن


(١) يقال: مكان جرد أي لا نبات فيه.
(٢) السائبة: الناقة المنذورة وكانت تسيب أي تترك لترعى فلا يمسها احد بسوء، وكانت اذا ولدت عشرة أبطن كلهن اناث سبيت.
(٣) البحيرة: التي تنجب خمسة أبطن والخامس ذكر. أو هي بنت السائبة.
(٤) الوصيلة: الشاة إذا ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم.
(٥) الحامي: فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضاه تركوه لآلهتهم وأعفوه من الحمل.
(٦) لقد زين الشيطان لبعض المسلمين فعادوا إلى الجاهلية الأولى من نذر لغير الله كالأولياء وأصحاب الأضرحة. فتراهم يسيبون المواشي للأولياء ترعى حيث شاءت لا يمسها أحد بسوء لأنها منذورة خشية أن ينتقم منه الولي إذا منعها من أن تعيث في الأرض فسادًا.

<<  <   >  >>