للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفسك العنت من قبله (١).

وقال أبو محمد بن جعفر بن عبد الله الصوفي، قال أبو حمزة الصوفي: رأيت ببيت المقدس فتى من الصوفية يصحب غلاما مدة طويلة، فمات الفتى وطال حزن الغلام عليه حتى صار جلدا وعظما من الضنا والكمد، فقلت له يوما: لقد طال حزنك على صديقك حتى أظن أنك لا تسلو (٢) بعده أبدا؟ فقال: كيف أسلو عن رجل أجل الله ﷿ أن يصيبه معي طرفة عين أبدا، وصانني عن نجاسة الفسوق فى خلال صحبتي له وخلواتي معه في الليل والنهار.

قال المصنف : هؤلاء قوم رآهم إبليس لا ينجذبون معه إلى الفواحش فحسن لهم بداياتها، فتعجلوا لذة النظر والصحبة والمحادثة وعزموا على مقاومة النفس فى صدها عن الفاحشة، فإن صدقوا وتم لهم ذلك فقد اشتغل القلب الذي ينبغي أن يكون شغله بالله تعالى لا بغيره، وصرف الزمان الذي ينبغي أن يخلو فيه القلب بما ينفع به في الآخرة بمجاهدة الطبع في كفه عن الفاحشة، وهذا كله جهل وخروج عن آداب الشرع، فإن الله ﷿ أمر بغض البصر لأنه طريق إلى القلب ليسلم القلب لله تعالى من شائب (٣) تخاف منه، وما مثل هؤلاء إلا كمثل من أقبل إلى سباع في غيضة متشاغلة عنه لا تراه، فأثارها وحاربها وقاومها فيا بعد سلامته من جراحه إن لم يهلك.

فصل

وفي هؤلاء من قويت مجاهدته مدة ثم ضعفت فدعته نفسه إلى الفاحشة فامتنع حينئذ من صحبة المرد.

أخبرتنا شهدة الكاتبة عن عمر بن يوسف الباقلاني، قال: قال أبو حمزة: قلت لمحمد بن العلاء الدمشقي وكان سيد الصوفية، وقد رأيته يماشي غلاما وضئيًا مدة ثم فارقه، فقلت له: لم هجرت ذلك الفتى الذي كنت أراه معك بعد ان كنت له مواصلا واليه مائلا!؟! وقال: والله لقد فارقته عن غير قلى (٤) ولا ملل، قلت: ولم فعلت ذلك؟ قال: رأيت قلبي يدعوني إلى أمر إذا خلوت.


(١) هكذا الاصل ولعل الجواب محذوف.
(٢) اي لا تنسى الحزن.
(٣) الشوائب: العيوب.
(٤) القلي: البغض.

<<  <   >  >>