وتراكيبها المثلية في الاشكال الحديثة. فمن ها هنا جاء التلاوم والميل وعشق بعضهم بعضا. وعلى قدر التقارب في الصورة يتأكد الأنس، والواحد منا يأنس بالماء لأن فيه ماء وهو بالنبات آنس لقربه من الحيوانية بالقوة النمائية، وهو بالحيوان آنس لمشاركته في أخص النوع به أو أقربه إليه، فأين المشاركة للخالق والمخلوق حتى يحصل الميل اليه والعشق والشوق وما الذي بين الطين والماء وبين خالق السماء من المناسبة، وإنما هؤلاء يصورون الباري ﷾ صورة تثبت في القلوب. وما ذاك الله ﷿ ذاك صنم شكله الطبع والشيطان، وليس لله وصف تميل إليه الطباع ولا تشتاق إليه الأنفس، وإنما مباينة الإلهية للمحدث أوجبت في الأنفس هيبة وحشمة فما يدعيه عشاق الصوفية لله في محبة الله إنما هو وهم اعترض، وصورة شكلت في نفوس فحجبت عن عبادة القديم فتجدد بتلك الصورة أنس، فإذا غابت بحكم ما يقتضيه العقل أقلقهم الشوق إليها فنالهم من الوجد وتحرك الطبع والهيمان ما ينال الهائم في العشق، فنعوذ بالله من الهواجس الرديئة والعوارض الطبيعية التي يجب بحكم الشرع محوها عن القلوب كما يجب كسر الأصنام.
فصل
قال المصنف ﵀: وقد كان جماعة من قدماء الصوفية ينكرون على المبتدئ السماع لعلمهم بما يثير من قلبه.
أخبرنا عمر بن ظفر المقري، نا جعفر بن أحمد، نا عبد العزيز بن علي الازجي، ثنا ابن جهضم، ثني أبو عبد الله المقري، ثنا عبد الله بن صالح، قال: قال لي جنيد: إذا رأيت المريد يسمع السماع فاعلم أن فيه بقيايا من اللعب. أخبرنا أبو بكر بن حبيب، نا أبو سعيد بن أبي صادق، نا أبو عبد الله بن باكويه، قال: سمعت أحمد بن محمد البردعي يقول: سمعت أبا الحسين النوري يقول لبعض أصحابه: إذا رأيت المريد يسمع القصائد ويميل إلى الرفاهية فلا ترج خيره.
قال المصنف ﵀: هذا قول مشايخ القوم وإنما ترخص المتأخرون حب اللهو فتعدى شرهم من وجهين: أحدهما سوء ظن العوام بقدمائهم لأنهم يظنون أن الكل كانوا هكذا. والثاني أنهم جرؤوا العوام على اللعب فليس للعامي حجة في لعبه إلا أن يقول: فلان يفعل كذا ويفعل كذا.