دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم، والذي يحلف به يود أحدهم أن له لحظة من تلك النار بأعظم تنور في الدار يحمونه، ثم يدخلونه إياه فيطبقونه عليه وأن ينجو من تلك النار غدا. قال له: ويحك وما آية ذلك؟ قال: نبي مبعوث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكة واليمن، قالوا: متى نراه؟ قال: فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا، ان يستنفد هذا الغلام عمره يدركه، قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله ﷺ وهو حي بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا. فقلنا له: ويلك يا فلان ألست الذي قلت أنا فيه ما قلت؟ قال: بلى، ولكن ليس به.
[ذكر تلبيسه على النصارى]
قال المصنف: تلبيسه عليهم كثير فمن ذلك أن إبليس أوهمهم أن الخالق سبحانه جوهر، فقال اليعقوبية أصحاب يعقوب والملكية أهل دين الملك والنسطورية أصحاب نسطورس: ان الله جوهر واحد بأقانيم ثلاثة فهو واحد في الجوهرية ثلاثة في الأقنومية، فأحد الأقانيم عندهم الأب والآخر الابن والآخر روح القدس، فبعضهم يقول: الاقانيم خواص. وبعضهم يقول: صفات. وبعضهم يقول: أشخاص، وهؤلاء قد نسوا أنه لو كان الإله جوهرا لجاز عليه ما يجوز على الجواهر من التحيز بمكان والتحرك والسكون والأوان. ثم سول لبعضهم أن المسيح هو الله.
قال أبو محمد النوبختي: زعمت الملكية واليعقوبية أن الذي ولدته مريم هو الإله. وسول الشيطان لبعضهم أن المسيح هو ابن الله. وقال بعضهم: المسيح جوهران أحدهما قديم والآخر محدث. ومع قولهم هذا في المسيح يقرون بحاجته الى طعام، ولا يختلفون في هذا وفي أنه صلب ولم يقدر على الدفع عن نفسه. ويقولون: إنما فعل هذا بالناسوت فهلا دفع عن الناسوت ما فيه من اللاهوت. ثم لبس عليهم أمر نبينا محمد ﷺ حتى جحدوه بعد ذكره في الإنجيل. ومن الكتابيين من يقول عن نبينا أنه نبي إلا أنه مبعوث إلى العرب خاصة. وهذا تلبيس من إبليس استغفلهم فيه لأنه متى ثبت أنه نبي، فالنبي لا يكذب، وقد قال: ﴿بعثت إلى الناس كافة﴾. وقد كتب الى قيصر وكسر وسائر ملوك الأعاجم.
ومن تلبيس إبليس على اليهود والنصارى
أنهم قالوا لا يعذبنا الله لأجل أسلافنا فمنا الأولياء والأنبياء، فأخبرنا الله ﷿ عنهم بذلك: ﴿نحن أبناء الله واحباؤه﴾ (المائدة: ١٨). أي منا ابنه عزير.