للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به وقرب مني لو أتيته سقطت من عين الله ﷿، فهجرته لذلك تنزيها لله تعالى ولنفسي من مصارع الفتن.

فصل

ومنهم من تاب وأطال البكاء عن إطلاق نظره.

أخبرنا المحمدان بن ناصر وابن عبد الباقي بإسناد عن عبيد الله، قال: سمعت أخي أبا عبد الله محمد بن محمد يقول: سمعت خيرا النساج يقول: كنت مع أمية بن الصامت الصوفي إذ نظر إلى غلام فقرأ: ﴿وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير﴾ (الحديد: ٤) ثم قال: وأين الفرار من سجن الله وقد حصنه بملائكة غلاظ شداد، تبارك الله فما أعظم ما امتحنني به من نظري إلى هذا الغلام، ما شبهت نظري إليه إلا بنار وقعت على قصب في يوم ريح فما أبقت ولا تركت ثم قال: استغفر الله من بلاء جنته عيناي على قلبي، لقد خفت ألا أنجو من معرته (١)، ولا أتخلص من أثمه، ولو وافيت القيامة بعمل سبعين صديقا، ثم بكى حتى كاد يقضي نحبه، فسمعته يقول في بكائه: يا طرف لأشغلنك بالبكاء عن النظر إلى البلاء.

فصل

ومنهم من تلاعب به المرض من شدة المحبة.

أخبرتنا شهدة الكاتبة بإسناد عن أبي حمزة الصوفي، قال: كان عبد الله بن موسى من رؤساء الصوفية ووجوههم، فنظر إلى غلام حسن في بعض الاسواق قبلى (٢) به، وكاد يذهب عقله صبابة وحبا، وكان يقف كل يوم في طريقه حتى يراه إذا أقبل وإذا أنصرف، فطال به البلاء وأقعده عن الحركة الضنى (٣) وكان لا يقدر أن يمشي خطوة، فأتيته يوما لأعوده، فقلت: يا أبا محمد ما قصتك وما هذا الأمر الذي بلغ بك ما أرى؟ فقال: أمور أمتحنني الله بها فلم أصبر على البلاء فيها ولم يكن لي بها طاقة، ورب ذنب يستصغره الانسان هو عند الله أعظم من كبير، وحقيق بمن تعرض للنظر الحرام أن تطول به الأسقام، ثم بكى، قلت: ما يبكيك؟ قال: أخاف.


(١) المعرَّة: الجناية والاثم.
(٢) أي امتحن به من البلاء.
(٣) الضَّنى: الأوجاع المخيفة.

<<  <   >  >>