للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد نسي هؤلاء أن معاصيهم تضيق أرزاقهم فقد رأوا أنفسهم مستحقين للنعم مستوجبين للسلامة من البلاء ولم يتلمحوا ما يجب عليهم من امتثال أوامر الشرع فقد ضلت فطنتهم في هذه الغفلة.

ذكر تلبيس إبليس على الكاملين من العلماء

قال المصنف: إن أقواما علت هممهم فحصلوا علوم الشرع من القرآن والحديث والفقه والأدب وغير ذلك. فأتاهم إبليس يخفي التلبيس فأراهم أنفسهم بعين عظيمة لما نالوا وأفادوا غيرهم. فمنهم من يستفزه (١) لطول عنائه في الطلب، فحسن له اللذات، وقال له: إلى متى هذا التعب فأرح جوارحك من كلف التكاليف وافسح (٢) لنفسك في مشتهاها، فان وقعت في زلة فالعلم يدفع عنك العقوبة. وأورد عليه فضل العلماء. فان خذل هذا العبد وقبل هذا التلبيس يهلك، وان وفق فينبغي له أن يقول: جوابك من ثلاثة أوجه: أحدها أنه إنما فضل العلماء بالعمل، ولولا العمل به ما كان له معنى. وإذا لم أعمل به كنت كمن لم يفهم المقصود به، ويصير مثلي كمثل رجل جمع الطعام وأطعم الجياع ولم يأكل فلم ينفعه ذلك من جوعه. والثاني أن يعارضه بما ورد في ذم من لم يعمل بالعلم لقوله : «أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه (٣) وحكايته عن رجل يلقي في النار فتندلق أقتابه فيقول: كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه (٤). وقول أبي الدرداء : ويل لمن يعلم مرة وويل لمن علم ولم يعمل سبع مرات. والثالث أن يذكر له عقاب من هلك من العلماء التاركين للعمل بالعلم كإبليس وبلعام. ويكفي في ذم العالم إذا لم يعمل قوله تعالى: ﴿كمثل الحمار يحمل أسفارا﴾ (الجمعة: ٥).

فصل

وقد لبس إبليس على أقوام من المحكمين في العلم والعمل من جهة


(١) يستخفه ويدعوه ليغويه.
(٢) يشير الى ما رواه الطبراني وغيره باسناد ضعيف جدا عن أبي هريرة مرفوعا: «ان من اشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه».
(٣) فسح له: وسع له.
(٤) رواه الشيخان عن أسامة بن زيد وأوله: «يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار» الحديث.

<<  <   >  >>