للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يطول في النار شقائي، فانصرفت عنه وأنا راحم له لما رأيت به من سوء الحال.

قال أبو حمزة: ونظر محمد بن عبد الله بن الأشعت الدمشقي وكان من خيار عباد الله إلى غلام جميل فغشي عليه، فحمل إلى منزله واعتاده السقم حتى أقعد (١) من رجليه، وكان لا يقوم عليهما زمانا طويلا، فكنا نأتيه نعوده ونسأله عن حاله وأمره، وكان لا يخبرنا بقصته ولا بسبب مرضه، وكان الناس يتحدثون بحديث نظره، فبلغ ذلك الغلام فأتاه عائدا فهش إليه وتحرك وضحك في وجهه واستبشر برؤيته، فما زال يعوده حتى قام على رجليه وعاد إلى حالته، فسأله الغلام يوما أن يسير معه إلى منزله فأبى أن يفعل ذلك، فسألني أن أسأله أن يتحول إليه، فسألته فأبى أن يفعل، فقلت للشيخ: وما الذي تكره من ذلك؟، فقال: لست بمعصوم من البلاء ولا آمن من الفتنة، وأخاف أن يقع علي من الشيطان محنة فتجري بيني وبينه معصية فأكون من الخاسرين.

فصل

وفيهم من همت نفسه إلى الفاحشة فقتل نفسه.

حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني، قال: كان ببلاد فارس صوفي كبير فابتلى بحدث، فلم يملك نفسه أن دعته إلى فاحشة فراقب الله ﷿ ثم ندم على هذه الهمة، وكان منزله على مكان عال ووراء منزله بحر من الماء، فلما أخذته الندامة صعد السطح ورمى بنفسه الى الماء وتلا قوله تعالى: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ (البقرة: ٥٤) فغرق في البحر.

قال المصنف : أنظر إلى إبليس كيف درج (٢) هذا المسكين من رؤية هذا الامرد الى إدمان النظر إليه، إلى أن مكن المحبة من قلبه، إلى أن حرضه على الفاحشة، فلما رأى استعصامه حسن له بالجهل قتل نفسه فقتل نفسه، ولعله هم بالفاحشة ولم يعزم، والهمة معفو عنها لقوله : «عفي لأمتي عما حدثت به نفوسها» (٣)، ثم إنه ندم على همته والندم توبة، فأراه إبليس أن من تمام الندم قتل نفسه كما فعل بنو اسرائيل،


(١) اي أصابه داء القعاء فلا يستطيع المشي.
(٢) درجه الى كذا: ادناه منه بالتدريج.
(٣) رواه الجماعة عن ابي هريرة بلفظ «ان الله تعالى تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به».

<<  <   >  >>