علي الجوهري وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، قالا: نا أبو عمر محمد ابن العباس بن حياة، ثنا أبو بكر بن الأنباري، ثني أبي، ثنا أبو عكرمة الضبي، ثنا مسعود بن بشر عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال: مضى علي بن أبي طالب إلى الربيع بن زياد يعوده، فقال له: يا أمير المؤمنين أشكو إليك عاصما أخي، قال: ما شأنه؟ قال: ترك الملاذ (٥) ولبس العباءة فغم أهله، وأحزن ولده، فقال: علي عاصما. فلما حضر بش في وجهه وقال: أترى الله أحل لك الدنيا وهو يكره أخذك منها. أنت والله أهون على الله من ذلك، فوالله لابتذالك نعم الله بالفعال! أحب إليه من ابتذالك بالمقال. فقال: يا أمير المؤمنين إني أراك تؤثر لبس الخشن وأكل الشعير فتنفس الصعداء، ثم قال: ويحك يا عاصم، إن الله افترض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بالعوام لئلا يتبيغ بالفقير فقره. قال أبو بكر الأنباري: المعنى لئلا يزيد ويغلو. يقال - تبيغ به الدم - إذا زاد وجاوز الحد.
فصل
قال المصنف: فان قال قائل: تجويد اللباس هوى للنفس، وقد أمرنا بمجاهدتها، وتزين للخلق وقد أمرنا أن تكون أفعالنا لله لا للخلق فالجواب: انه ليس كل ما تهواه النفس يذم ولا كل التزين للناس يكره وإنما ينهي عن ذلك إذا كان الشرع قد نهى عنه، أو كان على وجه الرياء في باب الدين، فإن الانسان يحب أن يرى جميلا وذلك حظ النفس ولا يلام فيه. ولهذا يسرح شعره، وينظر في المرآة، ويسوي عمامته، ويلبس بطانة الثوب الخشن إلى داخل. وظهارته الحسنة إلى خارج. وليس في شيء من هذا ما يكره ولا يذم.
أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي، نا عل بن محمد بن العلاف نا عبد الملك بن محمد بن بشران، نا أحمد بن إبراهيم الكندي، نا محمد بن جعفر الخرائطي، ثنا بنان بن سليمان، ثنا عبد الرحمن بن هاني عن العلاء بن كثير عن مكحول عن عائشة، قالت: كان نفر من أصحاب رسول الله ﷺ ينتظرونه على الباب فخرج يريدهم. وفي الدار ركوة فيها ماء، فجعل ينظر في الماء ويسوي شعره ولحيته، فقلت: يا رسول الله وأنت تفعل هذا؟! قال: «نعم، إذا خرج الرجل إلى اخوانه فليهيء من نفسه