قال المصنف: وقد لبس إبليس على قوم من القراء فهم يقرأون القرآن في منارة المسجد بالليل بالأصوات المجتمعة المرتفعة الجزء والجزأين، فيجمعون بين أذى الناس في منعهم من النوم وبين التعرض للرياء. ومنهم من يقرأ في مسجده وقت الأذان لأنه حين اجتماع الناس في المسجد.
قال المصنف: ومن أعجب ما رأيت فيهم أن رجلا كان يصلي بالناس صلاة الصبح يوم الجمعة ثم يلتفت فيقرأ المعوذتين ويدعو دعاء الختمة ليعلم الناس أني قد ختمت الختمة. وما هذه طريقة السلف فإن السلف كانوا يسترون عبادتهم، وكان عمل الربيع بن خثيم كله سرا فربما دخل عليه الداخل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه. وكان أحمد بن حنبل يقرأ القرآن كثيرا ولا يدري متى يختم.
قال المصنف: قد سبق ذكر جملة من تلبيس إبليس على القراء، والله أعلم بالصواب وهو الموفق.
[ذكر تلبيسه عليهم في الصوم]
قال المصنف: وقد لبس على أقوام فحسن لهم الصوم الدائم. وذلك جائز إذا أفطر الإنسان الأيام المحرم صومها إلا أن الآفة فيه من وجهين: أحدهما - أنه ربما عاد بضعف القوى فأعجز الإنسان عن الكسب لعائلته ومنعه من إعفاف زوجته، وفي «الصحيحين» عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إن لزوجك عليك حقاً» فكم من فرص يضيع بهذا النفل والثاني - أنه يفوت الفضيلة فإنه قد صح عن رسول الله ﷺ انه قال:«أفضل الصيام صيام داود ﵊ كان يصوم يوما ويفطر يوما»(١). وبالإسناد عن عبد الله بن عمرو قال: لقيني رسول الله ﷺ، فقال:«ألم أحدث عنك أنك تقوم الليل، وأنت الذى تقول لاصومن الليل ولأصومن النهار»، قال: أحسبه قال: نعم يا رسول الله قد قلت ذلك، فقال: فقم ونم وصم وأفطر، وصم من كل شهر ثلاثة أيام، ولك مثل صيام الدهر، قال: قلت: يا رسول الله إني أطيق أكثر من ذلك قال: فصم يوما وأفطر يومين، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك. قال: فصم يوما وأفطر يوما وهو أعدل الصوم وهو صيام داود ﵇. قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله ﷺ: لا أفضل من ذلك» أخرجاه في «الصحيحين».
(١) رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو، وعند البخاري نحوه.