للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان تلحقنا القافلة ويظلم علينا الطريق، وكان أبو الحسين يصعد تلا، فيصيح صياح الذئب حتى تسمع كلاب الحي فينبحون، فيمر على بيوتهم ويحمل إلينا من عندهم معونة، قلت: وإنما ذكرت مثل هذه الأشياء ليتنزه (١) العاقل في مبلغ علم هؤلاء وفهمهم للتوكل وغيره ويرى مخالفتهم لأوامر الشرع. وليت شعري كيف يصنع من يخرج منهم ولا شيء معه بالوضوء والصلاة وإن تخرق ثوبه ولا إبرة معه فكيف يفعل؟ وقد كان بعض مشايخهم يأمر المسافر بأخذ العدة قبل السفر.

فأخبرنا أبو منصور القزاز، نا أبو بكر الخطيب، نا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيرى، قال: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت أبا العباس البغدادي يقول: سمعت الفرغاني يقول: كان إبراهيم الخواص مجردا في التوكل يدقق فيه، وكان لا تفارقه إبرة وخيوط وركوة ومقراض، فقيل له: يا أبا إسحاق لم تجمع هذا وأنت تمنع من كل شيء؟! فقال: مثل هذا لا ينقض التوكل لان لله تعالى علينا فرائض، والفقير لا يكون عليه إلا ثوب واحد، فربما يتخرق ثوبه وإن لم يكن معه إبرة وخيوط تبدو عورته فتفسد عليه صلواته، وإن لم يكن معه ركوة تفسد عليه طهارته، وإذا رأيت الفقير بلا ركوة ولا إبرة ولا خيوط فاتهمه في صلاته.

ذكر تلبيس إبليس على الصوفية إذا قدموا من السفر

قال المصنف : قلت: من مذهب القوم أن المسافر إذا قدم فدخل الرباط وفيه جماعة لم يسلم عليهم حتى يدخل الميضاة (٢)، فإذا توضأ جاء وصلى ركعتين ثم سلم على الشيخ ثم على الجماعة. وهذا ما ابتدعه متأخروهم على خلاف الشريعة، لأن فقهاء الإسلام أجمعوا على أن من دخل على قوم سن له أن يسلم عليهم سواء كان على طهارة أو لم يكن، إلا أن يكونوا أخذوا هذا من مذهب الأطفال فإنه إذا قيل للطفل: لم لا تسلم علينا، قال: ما غسلت وجهي بعد، أو لعل الأطفال علموه من هؤلاء المبتدعين.


(١) لعلها من التنزه عن الشيء بمعنى التباعد والتصون.
(٢) الميضأة: الموضع يتوضأ فيه.

<<  <   >  >>