للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد حكى لي أبو عبد الله التكريتي الصوفي عن أبي الفتوح الاسفرايني وكنت أنا قد رأيته وأنا صغير السن، وقد حضر في جمع كثير في رباط وهناك المخاد والقضبان (١) ودف بجلاجل، فقام يرقص حتى وقعت عمامته فبقي مكشوف الرأس. قال التكريتي: إنه رقص يوما في خف له، ثم ذكر أن الرقص في الخف خطأ عند القوم فانفرد وخلعه، ثم نزع مطرفا (٢) كان عليه فوضعه بين أيديهم كفارة لتلك الجناية، فاقتسموه خرقا. قال ابن طاهر: والدليل على أن الذي يطرح الخرقة لا يجوز أن يشتريها من الجمع حديث عمر «لا تعودن في صدقتك» (٣).

قال المصنف : أنظر إلي بعد هذا الرجل عن فهم معاني الأحاديث فإن الخرقة المطروحة باقية على ملك صاحبها، فلا يحتاج إلى أن يشتريها.

فصل

وأما تقطيعهم الثياب المطروحة خرقا وتفريقها فقد بينا أنه إن كان صاحب الثوب رماه إلى المغني لم يملكه بنفس الرمي حتى يملكه إياه، فإذا ملكه إياه فما وجه تصرف الغير فيه. ولقد شهدت بعض فقهائهم يخرق الثياب ويقسمها ويقول: هذه الخرق ينتفع بها، وليس هذا بتفريط فقلت: وهل التفريط إلا هذا. ورأيت شيخا آخر منهم يقول: خرقت خرقا في بلدنا فأصاب رجل منها خريقة فعملها كنفا (٤)، فباعه بخمسة دنانير فقلت له: إن الشرع لا يجيز هذه الرعونات لمثل هذه النوادر. وأعجب من هذين الرجلين أبو حامد الطوسي فإنه قال: يباح لهم تمزيق الثياب إذا خرقت قطعا مربعة تصلح لتوقيع الثياب والسجادات، فإن الثوب يمزق حتى يخاط منه قميص ولا يكون ذلك تضييعا، ولقد عجبت من هذا الرجل كيف سلبه حب مذهب التصوف على أصول الفقه ومذهب الشافعي، فنظر إلى انتفاع خاص. ثم ما معنى قوله مربعة، فإن المطاولة ينتفع بها أيضا ثم لو مزق الثوب قرامل (٥).


(١) آلات طرب
(٢) المطرف: رداء من خز له اعلام.
(٣) ولعله يشير الى ما وراء الشيخان عن ابن عمر مرفوعا: العائد في هبة كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه».
(٤) الكنف: وعاء يكون فيه متاع التاجر او الراعي.
(٥) القرامل من الشعر او الصوف ما وصلت به المرأة شعرها.

<<  <   >  >>