للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معنا ببغداد شيخ الإمامية يعرف بأبي بكر بن الفلاس، فحدثنا أنه دخل على بعض من كان يعرفه بالتشيع.

ثم صار يقول بمذهب التناسخ، قال: فوجدته بين يديه سنور أسود وهو يمسحها ويحك بين عينيها، ورأيتها وعينها تدمع كما جرت عادة السنانير بذلك وهو يبكي بكاء شديداً. فقلت له: لم تبكي؟ فقال: ويحك أما ترى هذه السنور تبكي كلما مسحتها، هذه أمي لا شك وإنما تبكي من رؤيتها إلي حسرة. قال: وأخذ يخاطبها خطاب من عنده أنها تفهم عنه وجعلت السنور تصيح قليلا قليلا، فقلت له: فهي تفهم عنك ما تخاطبها به، فقال: نعم، فقلت: أتفهم أنت صياحها قال: لا، قلت: فأنت المنسوخ وهي الانسان.

ذكر تلبس إبليس على أمتنا في العقائد والديانات

قال المصنف: دخل إبليس على هذه الأمة في عقائدها من طريقين: أحدهما التقليد للآباء والأسلاف. والثاني الخوض فيما لا يدرك غوره ويعجز الخائض عن الوصول إلى عمقه، فأوقع أصحاب هذا القسم في فنون من التخليط. فأما الطريق الأول فإن إبليس زين للمقلدين أن الأدلة قد تشتبه والصواب قد يخفى والتقليد سليم وقد ضل في هذه الطريق خلق كثير، وبه هلاك عامة الناس، فإن اليهود والنصارى قلدوا آباءهم وعلماءهم فضلوا وكذلك أهل الجاهلية. واعلم أن العلة التي بها مدحوا التقليد بها يذم لأنه إذا كانت الأدلة تشتبه والصواب يخفى وجب هجر التقليد لئلا يوقع في ضلال. وقد ذم الله الواقفين مع تقليد آبائهم وأسلافهم فقال ﷿: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا على أمة وانا على اثارهم مقتدون. قل أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ﴾ (الزخرف: ٢٣ - ٢٤) المعنى أتتبعونهم، وقد قال ﷿: ﴿إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ … فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾ (الصافات: ٦٩ - ٧٠).

قال المصنف: أعلم أن المقلد على غير ثقة فيما قلد فيه. وفي التقليد إبطال منفعة العقل لأنه إنما خلق للتأمل والتدبر. وقبيح بمن أعطي شمعة يستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلمة. واعلم أن عموم أصحاب المذاهب يعظم في قلوبهم الشخص فيتبعون قوله من غير تدبر بما قال، وهذا عين الضلال. لأن النظر ينبغي أن يكون إلى القول لا إلى القائل، كما قال علي للحارث بن حوط وقد قال له: أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير كانا على باطل؟ فقال له: يا حارث إنه ملبوس عليك إن الحق لا

<<  <   >  >>