للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بطنه، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لابد، فثلث طعام وثلث شراب وثلث لنفسه (١).

قال المصنف : فقد أمر الشرع بما يقيم النفس حفظا لها وسعيا في مصلحتها. ولو سمع أبقراط (٢) هذه القسمة في قوله: ثلث وثلث وثلث لدهش من هذه الحكمة لأن الطعام والشراب يربوان في المعدة فيتقارب ملئها فيبقى للنفس من الثلث قريب، فهذا أعدل الأمور، فإن نقص منه قليلا لم يضر وإن زاد النقصان أضعف القوة وضيق المجاري على الطعام.

فصل

قال المصنف : واعلم أن الصوفية إنما يأمرون بالتقلل شبانهم ومبتدئيهم، ومن أضر الأشياء على الشاب الجوع، فإن المشايخ يصبرون عليه والكهول أيضا، فأما الشبان فلا صبر لهم على الجوع. وسبب ذلك أن حرارة الشباب شديدة فلذلك يجود هضمه ويكثر تحلل بدنه فيحتاج إلى كثرة الطعام كما يحتاج السراج الجديد إلى كثرة الزيت، فإذا صابر الشاب الجوع وتثبته في أول النشوء قمع نشوء نفسه، فكان كمن يعرقب (٣) أصول الحيطان ثم تمتد يد المعدة لعدم الغذاء إلى أخذ الفضول المجتمعة في البدن فتغذيه بالأخلاط فيفسد الدهن والجسم، وهذا أصل عظيم يحتاج إلى تأمل.

فصل

قال المصنف : وذكر العلماء التقلل الذي يضعف البدن، أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، نا أبو الحسين بن عبد الجبار، نا عبد العزيز بن علي الأزجي، نا إبراهيم بن جعفر الساجي، نا أبو بكر عبد العزيز بن جعفر، نا أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال، نا عبد الله ابن إبراهيم بن يعقوب الجيلي، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل، قال له عقبة بن مكرم: هؤلاء الذين يأكلون قليلا ويقللون من مطعمهم، فقال ما يعجبني، سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: فعل قوم هذا فقطعهم عن


(١) رواه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه. قال ابن حجر في «الفتح» حديث حسن.
(٢) الطبيب الشهير.
(٣) عرقب الدابة: قطع عرقوبها.

<<  <   >  >>