للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الرقص إلا اللعب الذي يليق بالأطفال، وما الذي فيه من تحريك القلوب إلى الآخرة، هذه والله مكابرة باردة.

ولقد حدثني بعض المشايخ عن الغزالي أنه قال: الرقص حماقة بين الكفتين لا تزول إلا بالتعب. وقال أبو الوفاء بن عقيل: قد نص القرآن على النهى عن الرقص. فقال ﷿: «لا تمش فى الارض مرحا» (الاسراء: ٣٣) وذم المختال فقال تعالى: ﴿انه لا يحب كل مختال فخور﴾ (لقمان: ١٨). والرقص أشد المرح والبطر، أو لسنا الذين قسنا النبيذ على الخمر لا تفاقهما في الإطراب والسكر فما بالنا لا نقيس القضيب وتلحين الشعر معه على الطنبور والمزمار والطبل لاجتماعهما في الإطراب. وهل شيء يزري بالعقل والوقار ويخرج عن سمت الحلم والأدب أقبح من ذي لحية يرقص، فكيف إذا كانت شيبة ترقص وتصفق على وقاع الألحان والقضبان، خصوصا اذا كانت اصوات نسوان و مردان، وهل يحسن بمن بين يديه الموت والسؤال والحشر والصراط ثم هو إلى إحدى الدارين صائران يشمس (١) بالرقص شمس البهائم ويصفق تصفيق النسوة، والله لقد رأيت مشايخ في عصري ما بان لهم سمن في تبسم فضلا عن ضحك مع إدمان مخالطتي لهم، كالشيخ أبي القاسم بن زيدان، وعبد الملك بن بشران، وأبي طاهر بن العلاف، والجنيد والدينوري.

فصل

فإذا تمكن الطرب من الصوفية في حال رقصهم جنب أحدهم بعض الجلوس ليقوم معه. ولا يجوز على مذهبهم للمجذوب أن يقعد، فإذا قام قام الباقون تبعا له، فإذا كشف أحدهم رأسه كشف الباقون رؤوسهم موافقة له. ولا يخفى على عاقل أن كشف الرأس مستقبح (٢)، وفيه إسقاط مروءة وترك أدب، وإنما يقع في المناسك تعبدا لله وذلا له.

فصل

فإذا اشتد طربهم رموا ثيابهم على المغني، فمنهم من يرمي بها صحاحا، ومنهم من يخرقها ثم يرمي بها. وقد احتج لهم بعض الجهال فقال: هؤلاء في


(١) شمس الفرس: لم يمكن احدا من ركوبه ولم يستقر.
(٢) هكذا كان العرف في عصر المصنف.

<<  <   >  >>