قال الشيخ أبو الفرج ﵀ عليه: اعلم أن الآدمي لما خلق ركب فيه الهوى والشهوة ليجتلب بذلك ما ينفعه. ووضع الغضب ليدفع به ما يؤذيه وأعطى العقل كالمؤدب يأمره بالعدل فيما يجتلب ويجتنب وخلق الشيطان محرضا له على الإسراف في اجتلابه واجتنابه. فالواجب على العاقل أن بأخذ حذره من هذا العدو الذي قد أبان (١) عداوته من زمن آدم ﵊، وقد بذل عمره ونفسه في فساد أحوال بني آدم. وقد أمر الله تعالى بالحذر منه فقال ﷾: ﴿ولا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى الله ما لا تعلمون﴾ (البقرة: ١٦٩ - ١٢٨) وقال تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ (البقرة: ٢٦٨) وقال تعالى: ﴿ويريد الشيطان أن يضلكم ضلالا بعيدا﴾ (النساء: ٦٠) وقال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ (المائدة: ٩١) وقال تعالى: ﴿أنه عدو مضل مبين﴾ (القصص: ١٥) وقال: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ (فاطر: ٦) وقال تعالى: ﴿ولا يغرنكم بالله الغرور﴾ (لقمان: ٣٣) وقال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين﴾ (يس: ٦٠) وفي القرآن من هذا كثير.
(فصل)
قال الشيخ أبو الفرج ﵀: وينبغي أن تعلم أن ابليس الذي شغله التلبيس أول ما التبس عليه الأمر فأعرض عن النص الصريح على السجود، فأخذ يفاضل بين الأصول فقال: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ. ثم أردف ذلك بالاعتراض على الملك الحكيم، فقال: ﴿أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كرمت علي﴾ (الاسراء: ٦٢). والمعنى أخبرني لم كرمته علي؟ غرر ذلك الاعتراض أن الذي فعلته ليس بحكمة. ثم أتبع ذلك بالكبر فقال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾، ثم امتنع عن السجود فأهان نفسه التي أراد تعظيمها باللعنة والعقاب.
فمتى سول للإنسان أمرا فينبغي أن يحذر منه أشد الحذر، وليقل له حين أمره إياه بالسوء: إنما تريد بما تأمر به نصحي ببلوغي شهوتي. وكيف