للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل

ومن تلبيسه عليهم أنه يوهمهم أن الزهد هو القناعة بالدون (١) من المطعم والملبس فحسب. فهم يقنعون بذلك وقلوبهم راغبة في الرياسة وطلب الجاه فتراهم يترصدون لزيارة الأمراء إياهم. ويكرمون الأغنياء دون الفقراء ويتخاشعون عند لقاء الناس كأنهم قد خرجوا من مشاهدة (٢) وربما رد أحدهم المال لئلا يقال قد بدا له من الزهد وهم من تردد الناس إليهم وتقبيل أيديهم في أوسع باب من ولايات الدنيا لأن غاية الدنيا الرياسة.

فصل

وأكثر ما يلبس به إبليس على العباد والزهاد خفي الرياء. فأما الظاهر من الرياء فلا يدخل في التلبيس مثل إظهار النحول وصفار الوجه وشعث (٣) الشعر ليستدل به على الزهد. وكذلك خفض الصوت لإظهار الخشوع، وكذلك الرياء بالصلاة والصدقة. ومثل هذه الظواهر لا تخفى. وإنما تشير إلى خفي الرياء. وقد قال النبي : «إنما الأعمال بالنيات» ومتى لم يرد بالعمل وجه الله ﷿ لم يقبل. قال مالك بن دينار: قولوا لمن تم يكن صادقا لا تتعب.

وأعلم أن المؤمن لا يريد بعمله إلا الله ، وإنما يدخل عليه خفي الرياء فيلبس الأمر فنجاته منه صعبة. وفي الحديث مرفوعا عن يسار قال: قال لى يوسف ابن أسباط: تعلموا صحة العمل من سقمه فاني تعلمته في اثنتين وعشرين سنة». وفي الحديث مرفوعا عن إبراهيم الحنظلي قال: سمعت بقية بن الوليد (٤) يقول: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: تعلمت المعرفة من راهب يقال له: سمعان، دخلت عليه في صومعته فقلت له: يا سمعان منذ كم أنت في صومعتك هذه قال: منذ سبعين سنة قلت: ما طعامك؟ قال: يا حنيفي (٥) وما دعاك إلى هذا؟ قلت: أحببت أن أعلم،


(١) الحقير الخسيس.
(٢) المشاهدة: المعاينة
(٣) التلبد، وصاحبه: أشعث.
(٤) وهو كثير التدليس عن الضعفاء كما في «التقريب».
(٥) اي يا مسلم

<<  <   >  >>