للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استعمال ما عندك ثم أطلب ما عنده. وقد جعل الله تعالى للطير والبهائم عدة وأسلحة تدفع عنها الشرور كالمخلب والظفر والناب، وخلق للادمى عقلا يقوده الى حمل الاسلحة ويهديه إلى التحصين بالأبنية والدروع. ومن عطل نعمة الله تعالى بترك الاحتراز فقد عطل حكمته، كمن يترك الأغذية والأدوية ثم يموت جوعا أو مرضا. ولا أبله ممن يدعي العقل والعلم ويستسلم للبلاء، إنما ينبغي أن تكون أعضاء المتوكل في الكسب وقلبه ساكن مفوض إلى الحق منع أو أعطى، لانه لا يرى إلا أن الحق لا يتصرف إلا بحكمة ومصلحة، فمنعه عطاء فى المعنى. وكم زين للعجزة عجزهم وسولت لهم أنفسهم أن التفريط توكل فصاروا في غرورهم بمثابة من اعتقد التهور شجاعة والخور (١) حزما ومتى وضعت أسباب فأهملت كان ذلك جهلا بحكمة الواضع. مثل وضع الطعام سببا للشبع والماء للري والدواء للمرض. فإذا ترك الانسان ذلك هوانا (٢) بالسبب ثم دعا وسأل فربما قيل له: قد جعلنا لعافيتك سببا، فإذا لم تتناوله كان إهوانا لعطائنا، فربما لم نعافك بغير سبب لا هو انك للسبب، وما هذا الا بمثابة من بين قراحة وماء الساقية رفسه بمسحاة، فأخذ يصلي صلاة الاستسقاء طلبا للمطر، فإنه لا يستحسن منه ذلك شرعا ولا عقلا

قال المصنف : فإن قال قائل: كيف أحترز مع القدر؟ قيل له: وكيف لا تحترز مع الأوامر من المقدر، فالذي قدر هو الذي أمر. وقد قال تعالى: ﴿وخذوا حذركم﴾ (النساء: ٧١). أنبأنا اسماعل بن أحمد نا عاصم بن الحسن، نا ابن بشران، ثنا ابن صفوان، نا أبو بكر القرشي، ثني شريح بن يونس، نا علي بن ثابت عن خطاب بن القاسم عن أبي عثمان قال: كان عيسى يصلي على رأس جبل فأتاه إبليس، فقال: أنت الذي تزعم أن كل شيء بقضاء وقدر؟ قال: نعم، قال: فألق نفسك من الجبل وقل قدر علي، فقال: يا لعين، الله يختبر العباد، وليس للعباد أن يختبروا الله تعالى

فصل

وفي معنى ما ذكرنا من تلبيسه عليهم في ترك الأسباب أنه قد لبس على خلق كثير منهم بأن التوكل ينافي الكسب. أخبرنا محمد بن أبي القاسم،


(١) الخور: الضعف.
(٢) يقصد: استهانة، أي استخفافا.

<<  <   >  >>