للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأى بعضهم أن العزيمة تركه. وقد ذكرنا كلام الناس في هذا وبينا بما اخترناه في كتابنا «لقط المنافع في الطب» والمقصود ها هنا إنا نقول: إذا ثبت أن التداوي مباح بالإجماع مندوب إليه عند بعض العلماء، فلا يلتفت إلى قول قوم قد رأوا أن التداوي خارج من التوكل، لأن الإجماع على أنه لا يخرج من التوكل، وقد صح عن رسول الله أنه تداوى وأمر بالتداوي، ولم يخرج بذلك من التوكل ولا أخرج من أمره أن يتداوى من التوكل.

وفي «الصحيح» (١) من حديث عثمان بن عفان «أن النبي رخص إذا اشتكى المحرم عينه أن يضمدها بالصبر». قال ابن جرير الطبري: وفي هذا الحديث دليل على فساد ما يقوله ذوو الغباوة من أهل التصوف والعباد من أن التوكل لا يصح لأحد عالج علة به في جسده بدواء، إذ ذاك عندهم طلب العافية من غير من بيده العافية والضر والنفع. وفي إطلاق النبي للمحرم علاج عينه بالصبر لدفع المكروه أدل دليل على أن معنى التوكل غير ما قاله الذين ذكرنا قولهم، وأن ذلك غير مخرج فاعله من الرضى بقضاء الله، كما أن من عرض له كلب الجوع (٢) لا يخرجه فزعه إلى الغذاء من التوكل والرضى بالقضاء لأن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء إلا الموت، وجعل أسبابا لدفع الأدواء، كما جعل الأكل سببا لدفع الجوع. وقد كان قادرا أن يحيى خلقه بغير هذا، ولكنه خلقهم ذوي حاجة، فلا يندفع عنهم أذى الجوع إلا بما جعل سببا لدفعه عنهم، فكذا الداء العارض والله الهادى.

ذكر تلبس ابلس على الصوفية في ترك الجمعة والجماعة بالوحدة والعزلة

قال المصنف: كان خيار السلف يؤثرون الوحدة والعزلة عن الناس اشتغالا بالعلم والتعبد، إلا أن عزلة القوم لم تقطعهم عن جمعة ولا جماعة ولا عيادة مريض ولا شهود جنازة ولا قيام بحق. وإنما هي عزلة عن الشر وأهله ومخالطة البطالين (٣)، وقد لبس إبليس على جماعة من المتصوفة، فمنهم من أعتزل في جبل كالرهبان يبيت وحده ويصبح وحده، ففاتته الجمعة وصلاة الجماعة ومخالطة أهل العلم. وعمومهم اعتزل في الاربطة ففاتهم.


(١) «صحح مسلم»
(٢) أي شدة الجوع
(٣) اي المتعطلين.

<<  <   >  >>