وقالت الفرقة الثالثة: بل الباري لما أتقن العالم تفرقت أجزاؤه فيه فكل قوته في العالم فهي من جوهر اللاهوتية. قال الشيخ ﵀: هذا الذي ذكره النهاوندي نقلته من نسخة بالنظامية قد كتبت منذ مائتين وعشرين سنة، ولولا أنه قد قيل ونقل في ذكره ما قد فعل إبليس في تلبيسه لكان الأولى الإضراب عن ذكره تعظيما لله ﷿ أن يذكر بمثل هذا ولكن قد بينا وجه الفائدة في ذكره.
فصل
وقد ذهب أكثر الفلاسفة إلى أن الله تعالى لا يعلم شيئا وإنما يعلم نفسه، وقد ثبت أن المخلوق يعلم نفسه ويعلم خالقه فقد زادت مرتبة المخلوق على رتبة الخالق.
قال المصنف: وهذا أظهر فضيحة من أن يتكلم عليه. فانظر إلى ما زينه إبليس لهؤلاء الحمقى مع ادعائهم كمال العقل وقد خالفهم أبو علي ابن سيناء في هذا فقال: بل يعلم نفسه ويعلم الأشياء الكلية ولا يعلم الجزئيات. وتلقف هذا المذهب منهم المعتزلة وكأنهم استكثروا المعلومات. فالحمد لله الذي جعلنا ممن ينفي عن الله الجهل والنقص ونؤمن بقوله ﴿أَلا يَعْلَمُ من خلق﴾ - الملك:(١٤) وقوله: ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تسقط من ورقة الا يعلمها﴾ - الانعام: ٥٩. وذهبوا إلى أن علم الله وقدرته هو ذاته فرارا من أن يثبتوا قديمين. وجوابهم أن يقال إنما هو قديم موجود واحد موصوف بصفات الكمال.
فصل
قال المصنف: وقد أنكرت الفلاسفة بعث الأجساد ورد الأرواح إلى الأبدان ووجود جنة ونار جسمانيين. وزعموا أن تلك أمثلة ضربت لعوام الناس ليفهموا الثواب والعقاب الروحانيين. وزعموا أن النفس تبقى بعد الموت بقاء سرمديا أبدا، إما في لذة لا توصف، وهي الأنفس الكاملة أو ألم لا يوصف، وهي النفوس المتلوثة. وقد تتفاوت درجات الألم على مقادير الناس، وقد ينمحي عن بعضها الألم ويزول. فيقال لهم: نحن لا ننكر وجود النفس بعد الموت، ولذلك سمي عودها إعادة، ولا أن لها نعيما وشقاء، ولكن ما المانع من حشر الاجساد؟ ولم ننكر اللذات والآلام الجسمانية في الجنة والنار.