للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا بالشاهد وإليه نقاضيكم، فنقول: كما أنه لا بد للصنيعة من صانع فلا بد للصورة الواقعة من الصانع من مادة تقع الصورة فيها، كالخشب لصورة الباب، والحديد لصورة الفأس. قالوا: فدليلكم الذي تثبتون به الصانع يوجب قدم العالم. فالجواب أنه لا حاجة بنا إلى مادة بل نقول: إن الصانع اخترع الأشياء اختراعا فانا نعلم أن الصورة والأشكال المتجددة في الجسم كصورة الدولاب ليس لها مادة. وقد اخترعها ولا بد لها من مصور، فقد أريناكم صورة وهي شيء جاءت لا من شيء ولا يمكنكم أن ترونا صنعة جاءت لا من صانع.

ذكر تلبيسه على الطبائعيين (١)

قال المصنف: لما رأى إبليس قلة موافقته على جحد الصانع لكون العقول شاهدة بأنه لا بد للمصنوع من صانع، حسن لأقوام أن هذه المخلوقات فعل الطبيعة، وقال: ما من شيء يخلق إلا من اجتماع الطبائع الأربع فيه، فدل على أنها الفاعلة. وجواب هذا نقول: اجتماع الطبائع دليل على وجودها لا على فعلها. ثم قد ثبت أن الطبائع لا تفعل إلا باجتماعها وامتزاجها، وذلك يخالف طبيعتها فدل على أنها مقهورة. وقد سلموا أنها ليست بحية ولا عالمة ولا قادرة ومعلوم أن الفعل المتسق المنتظم لا يكون إلا من عالم حكيم، فكيف يفعل من نيس عالما وليس قادرا؟ فإن قالوا: ولو كان الفاعل حكيما لم يقع في بنائه خلل، ولا وجدت هذه الحيوانات المضرة فعلم أنه بالطبع، قلنا: ينقلب هذا عليكم بما صدر منه من الأمور المنتظمة المحكمة التي لا يجوز أن يصدر مثلها عن طبع، فأما الخلل المشار إليه فيمكن أن يكون للابتلاء والردع والعقوبة أو في طية منافع لا نعلمها. ثم أين فعل الطبيعة من شمس تطلع في نيسان على أنواع من الحبوب فترطب الحصرم والخلالة (٢) وتنشف البرة (٣) ونيبسها ولو فعلت طبعا لا يبست الكل أو رطبته، فلم يبق إلا أن الفاعل المختار استعملها بالمشيئة في يبس هذه للادخار والنضج في هذه للتناول، والعجب أن الذي أوصل إليها اليبس في أكنة (٤) لا يلقى جرمها والذي رطبها يلقى جرمها. ثم إنها تبيض ورد الخشخاش وتحمر الشقائق وتحمض الرمان وتحلى العنب، والماء واحد. وقد اشار المولى هذا بقوله: ﴿يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بعض في الاكل﴾ [الرعد: ٤].


(١) الطبائعيين نسبة الى الطبائع الاربعة وهي التراب والماء والنار والهواء ويعتقدون انها أصول كل شيء.
(٢) الخلالة: ما تخلل به الاسنان.
(٣) اى القمحة.
(٤) الاكنة الاغطية واحد الاكنان.

<<  <   >  >>