للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البريد وجعلت في عنقه جامعة (١) من حديد، وجمعت يده إلى عنقه، فأشرف على عقبة بيت المقدس تلا هذه الآية ﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ على نفسي وان اهتديت فيما يوحى الي ربي (سبأ: ٥٠)﴾، فتقلقلت الجامعة ثم سقطت من يده ورقبته إلى الأرض، فوثب الحرس الذين كانوا معه فأعادوها عليه، ثم ساروا به، فلما أشرفوا على عقبة أخرى قرأ آية فسقطت من رقبته ويده على الأرض، فأعادوها عليه، فلما قدموا على عبد الملك حبسه، وأمر رجالا من أهل الفقه والعلم أن يعظوه ويخوفوه الله ويعلموه أن هذا من الشيطان فأبى أن يقبل منهم، فصلب. وجاء رجل بحربة فطعنه فانثنت، فتكلم الناس، وقالوا: ما ينبغي لمثل هذا أن يقتل، ثم أتاه حرسي (٢) برمح دقيق فطعنه بين ضلعين من أضلاعه ثم هزه وأنفذه. وسمعت من قال: قال عبد الملك للذي ضربه بالحربة لما أنثنت: أذكرت الله حين طعنته؟ قال: نسيت، قال: فاذكر الله، ثم اطعنه فذكر الله ثم طعنه فأنفذها.

فصل

وكم اغتر قوم بما يشبه الكرامات، فقد روينا بإسناد عن حسن عن أبي عمران، قال: قال لي فرقد: يا أبا عمران قد أصبحت اليوم وأنا مهتم بضريبتي، وهي ستة دراهم، وقد أهل (٣) الهلال وليست عندي، فدعوت، فبينما أنا أمشي على شط الفرات إذا أنا بستة دراهم، فأخذتها فوزنت فإذا هي ستة لا تزيد ولا تنقص، فقال: تصدق بها فإنها ليست لك. قلت: أبو عمران، هو إبراهيم النخعي فقيه أهل الكوفة. فانظروا إلى كلام الفقهاء وبعد الاغترار عنهم، وكيف أخبره أنها لقطة ولم يلتفت إلى ما يشبه الكرامة، وإنما لم يأمره بتعريفها، لأن مذهب الكوفيين أنه لا يجب التعريف لما دون الدينار، وكأنه إنما أمره بالتصدق بها لئلا يظن أنه قد أكرم بأخذها وأنفاقها. وبإسناد عن إبراهيم الخراساني أنه قال: احتجت يوما إلى الوضوء، فإذا أنا بكوز من جوهر وسواك من فضة رأسه ألين من الخز، فاستكت بالسواك وتوضأت بالماء وتركتهما وانصرفت.


(١) غل أو قيد.
(٢) احد اعوان الملك.
(٣) ظهر.

<<  <   >  >>