للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القسم السابع - قوم علموا أن صحبة المردان والنظر إليهم لا يجوز غير أنهم لم يصبروا عن ذلك.

والحديث بإسناد عن الرازي يقول: قال يوسف بن الحسين: كل ما رأيتموني أفعله فأفعلوه إلا صحبة الأحداث فإنها أفتن الفتن، ولقد عاهدت ربي أكثر من مائة مرة أن لا أصحب حدثا، ففسخها على حسن الخدود وقوام القدود وغنج العيون، وما سألني الله معهم عن معصية. وأنشد صريع الغواني في معنى ذلك شعرا:

إن ورد الخدود والحدق النجـ … ــل وما في الثغور من أقحوان

واعوجاج الاصداغ في ظاهر الخد … وما في الصدور من رمان

تركتني بين الغواني صريعا … فلهذا أدعى «صريع الغواني»

قال المصنف : قلت: هذا الرجل قد فضح نفسه في شيء ستره الله عليه، وأخبر أنه كلما رأى فتنة نقض التوبة، فأين عزائم التصوف في حمل النفس على المشاق، ثم ظن بجهله أن المعصية هي الفاحشة فقط، ولو كان له علم لعلم أن صحبتهم والنظر إليهم معصية (١) فانظر إلى الجهل كيف يصنع بأربابه.

والحديث بإسناد عن محمد بن عمر أنه قال: حكي لي عن أبي مسلم الخمشوعي أنه نظر إلى غلام جميل فأطال، ثم قال: سبحان الله ما أهجم طرفي على مكروه نفسه، وأدمنه (٢) على سخط سيده، وأغراه بما قد نهى عنه، وأبهجه بالأمر الذي قد حرز (٣) عنه. لقد نظرت إلى هذا نظرا لا أحسب إلا أنه سيفضحني عند جميع من عرفني في عرصات القيامة، ولقد تركني نظري هذا، وأنا أستحي من الله تعالى وإن غفر لي ثم صعق. وبإسناد عن أبي بكر محمد بن عيد يقول: سمعت أبا الحسين النوري يقول: رأيت غلاما جميلا ببغداد فنظرت إليه، ثم أردت أن أردد النظر، فقلت له: تلبسون النعال الصرارة (٤)، وتمشون في الطرقات، فقال: أحسنت الحشر بالعلم.

فصل

وكل من فاته العلم تخبط فان حصل له وفاته العمل به كان اشد تخبطا.


(١) هذا اذا كان بشهوة، اما اذا كانت صحبة المردان والنظر اليهم لتعليمهم وتربيتهم شأن اساتذة المدارس فلا يكون ذلك معصية.
(٢) اي ما ادومه.
(٣) حرز: صين عنه، من الحرز.
(٤) من صر: اذا احدث صوتا.

<<  <   >  >>