للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يخرج إلى الرياء واستعمال ما يوجب الهيبة في القلوب لا يمنع منه. وليس كل ما كان في السلف مما لا يتغير به قلوب الناس يومئذ ينبغي أن يفعل

قال الأوزاعي: كنا نضحك ونمزح، فإذا صرنا يقتدى بنا فلا أرى ذلك يسعنا (١). وقد روينا عن إبراهيم بن أدهم أن أصحابه كانوا يوما يتمازحون فدق رجل الباب فأمرهم بالسكوت والسكون فقالوا له: تعلمنا الرياء؟ فقال: إني أكره أن يعصى (٢) الله فيكم.

قال المصنف: وإنما خاف قول الجهلة، انظروا إلى هؤلاء الزهاد كيف يفعلون. وذلك أن العوام لا يحتملون مثل هذا للمتعبدين.

فصل

ومن هؤلاء قوم لو سئل أحدهم أن يلبس اللين من ثوبه ما فعل لئلا يتوكس (٣) جاهه في الزهد، ولو خرجت روحه لا يأكل والناس يرونه ويحفظ نفسه من التبسم فضلا عن الضحك. ويوهمه إبليس أن هذا لإصلاح الخلق وإنما هو رياء يحفظ به قانون الناموس، فتراه مطاطئ الرأس عليه آثار الحزن فإذا خلا رأيته ليث شرى (٤).

فصل

وقد كان السلف يدفعون عنهم كل ما يوجب الإشارة إليهم ويهربون من المكان الذي يشار إليهم فيه. والحديث بإسناد عن عبد الله بن خفيف، قال: قال يوسف بن أسباط: خرجت من (سبج) راجلا حتى أتيت (المصيصة) وجرابي على عنقي، فقام ذا من حانوته يسلم علي وذا يسلم، فطرحت جرابي ودخلت المسجد أصلى ركعتين، فاحدقوا بي واطلع رجل في وجهي، فقلت في نفسي: كم بقاء قلبي على هذا. فأخذت جرابي ورجعت بعرقي وعنائى الى سبج فما رجع إلى قلبي سنتين

فصل

ومن الزهاد من يلبس الثوب المخرق (٥) ولا يخيطه ويترك إصلاح عمامته


(١) يقال: لا يسعك .. تفعل هذا: أي لا يجوز له او لا تقدر ان تفعله
(٢) وذلك بأن يغتابهم الداخل فيعصى الله بسببهم.
(٣) وكس الشيء: نقص. ووكس التاجر: خسر في تجارته.
(٤) الشرى: مأسدة جانب الفرات يضرب بها المثل
(٥) الممزق

<<  <   >  >>