للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سول لك الخطايا؟ قال: أجاهده. قال: فإن عاد. قال: أجاهده، قال: فإن عاد قال: أجاهده. قال: هذا يطول، أرأيت إن مررت بغنم فنبحك كلبها أو منعك من العبور ما تصنع، قال: أكابده وأرده جهدي. قال: هذا يطول عليك، ولكن استعن بصاحب الغنم يكفه عنك.

قال الشيخ : واعلم أن مثل إبليس مع المتقي والمخلط كرجل جالس بين يديه طعام فمر به كلب فقال له: أخسأ، فذهب فمر بآخر بين يديه طعام ولحم فكلما أخسأه (١) لم يبرح، فالأول مثل المتقي يمر به الشيطان فيكفيه في طرده الذكر، والثاني مثل المخلط لا يفارقه الشيطان لمكان تخليطه نعوذ بالله من الشيطان.

[الباب الرابع في معنى التلبيس والغرور]

قال المصنف: التلبيس إظهار الباطل في صورة الحق، والغرور نوع جهل يوجب اعتقاد الفاسد صحيحا والردئ جيدا، وسببه وجود شبهة أوجبت ذلك. وإنما يدخل إبليس على الناس بقدر ما يمكنه ويزيد تمكنه منهم، ويقل على مقدار قظتهم وغفلتهم وجهلهم وعلمهم. واعلم أن القلب كالحصن وعلى ذلك الحصن سور، وللسور أبواب وفيه ثلم (٢)، وساكنه العقل والملائكة تتردد إلى ذلك الحصن، وإلى جانبه ربض (٣) فيه الهوى والشياطين تختلف إلى ذلك الربض من غير مانع. والحرب قائم بين أهل الحصن وأهل الربض، والشياطين لا تزال تدور حول الحصن تطلب غفلة الحارس والعبور من بعض الثلم. فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وكل بحفظه وجميع انثلم، وأن لا يفتر عن الحراسة لحظة، فإن العدو ما يفتر. قال رجل للحسن البصري: أينام إبليس؟ قال: لو نام لوجدنا راحة. وهذا الحصن مستنير بالذكر مشرق بالإيمان، وفيه مرآة صقيلة يترأى فيها صور كل ما يمر به، فأول ما يفعل الشيطان في الربض إكثار الدخان فتسود حيطان


(١) أي طرده.
(٢) الثلم: جمع ثلمة كغرفة وغرف، وهي في الأصل موضع الكسر من القدح.
(٣) الربض بفتحتين: المكان الذي يؤوى اليه.

<<  <   >  >>