للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعصوم له باطن غير ظاهر. ثم يقال لهم: هذه البواطن والتأويلات يجب إخفاؤها أم اظهارها … فان قالوا: يجب اظهارها، قلنا: فلم كتمها محمد . وان قالوا: يجب إخفاؤها، قلنا: ما وجب على الرسول إخفاؤه كيف حل لكم إفشاؤه.

قال ابن عقيل: هلك الإسلام بين طائفتين بين الباطنية والظاهرية. فأما أهل البواطن فإنهم عطلوا ظواهر الشرع بما أدعوه من تفاسيرهم التي لا برهان لهم عليها حتى لم يبق في الشرع شيء إلا وقد وضعوا وراءه معنى، حتى أسقطوا إيجاب الواجب، والنهي عن المنهي. وأما أهل الظاهر فإنهم أخذوا بكل ما ظهر مما لا بد من تأويله. فحملوا الأسماء والصفات على ما عقلوه. والحق بين المنزلتين. وهو أن نأخذ بالظاهر ما لم يصرفنا عنه دليل، ونرفض كل باطن لا يشهد به دليل من أدلة الشرع.

قال المصنف: ولو لقيت مقدم هذه الطائفة المعروفة بالباطنية لم أكن سالكا معه طريق العلم. بل التوبيخ والازدراء على عقله وعقول أتباعه بأن أقول أن للآمال طرقا تسلك ووجوها توصل. ووضع الأمل في جهة اليأس حمق، ومعلوم أن هذه الملل التي قد طبقت الأرض أقر بها شريعة الإسلام التي تتظاهرون بها وتطمعون في إفسادها قد تمكنت تمكنا يكون الطمع في تمحيقها فضلا عن إزالتها حمقا. فلها مجمع كل سنة بعرفة ومجمع كل أسبوع في الجوامع ومجمع كل يوم في المساجد فمتى (١) تحدثكم نفوسكم بتكدير هذا البحر الزاخر وتمحيق هذا الأمر الظاهر. في الآفاق يؤذن كل يوم على ألوف المنائر (٢) بأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وغاية ما أنتم عليه حديث في خلوة، أو متقدم في قلعة، أن نبس بكلمة يرمي رأسه وقتل قتل الكلاب، فمتى يحدث العاقل منكم نفسه بظهور ما أنتم عليه على هذا الأمر الكلي الذي طبق البلاد، فما أعرف أحمق منكم إلى أن يجيء إلى باب المناظرة بالبراهين العقلية.

فصل

قال المصنف: والتهبت جمرة الباطنية المتأخرين في سنة أربع وتسعين واربعمائة، فقتل السلطان جلال الدولة برقيارق خلقا منهم لما تحقق مذهبهم.


(١) لعلها فحتى متى، أو كيف.
(٢) جمع منارة وهي المئذنة.

<<  <   >  >>