للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أويسا القرني كان يلتقط الرقاع من المزابل فيغسلها في الفرات، ثم يخيطها فيلبسها اختاروا المرقعات، ولقد أبعدوا في القياس، فإن رسول الله وأصحابه كانوا يؤثرون البذاذة (١) ويعرضون عن الدنيا زهدا، وكان أكثرهم يفعل هذا لأجل الفقر، كما روينا عن مسلمة بن عبد الملك إنه دخل على عمر بن العزيز وعليه قميص وسخ، فقال لامرأته فاطمة: اغسلي قميص امير المؤمنين، فقالت: والله ما له قميص غيره. فأما إذا لم يكن هذا لفقر وقصد البذاذة فما له من معنى.

فصل

قال المصنف: فأما صوفية زماننا فإنهم يعمدون إلى ثوبين أو ثلاثة كل واحد منها على لون فيجعلوها خرقا ويلفقونها فيجمع ذلك الثوب وصفين الشهرة والشهوة، فإن لبس مثل هذه المرقعات أشهى عند خلق كثير من الديباج وبها يشتهر صاحبها أنه من الزهاد افتراهم يصيرون بصورة الرقاع كالسلف، كذا قد ظنوا، وإن إبليس قد لبس عليهم وقال: أنتم صوفية لأن الصوفية كانوا يلبسون المرقعات وأنتم كذلك، أتراهم ما علموا أن التصوف معنى لا صورة، وهؤلاء قد فاتهم التشبيه في الصورة والمعنى، أما الصورة فإن القدماء كانوا يرقعون ضرورة ولا يقصدون التحسن بالمرقع ولا يأخذون أثوابا جددا مختلفة الألوان، فيقطعون من كل ثوب قطعة ويلفقونها على أحسن التوقيع ويخيطونها ويسمونها مرقعة، وأما عمر لما قدم بيت المقدس حين سأل القسيسون والرهبان عن أمير المسلمين فعرضوا عليهم أمراء العساكر مثل أبي عبيدة وخالد بن الوليد وغيرهما، فقالوا: ليس هذا المصور عندنا، ألكم أمير أولا؟ فقالوا: لنا أمير غير هؤلاء، فقالوا: هو أمير هؤلاء، قالوا: نعم هو عمر بن الخطاب ، فقالوا: أرسلوا إليه ننظره فإن كان هو سلمنا إليكم من غير قتال وإن لم يكن هو فلا، فلو حاصرتمونا ما تقدرون علينا، فأرسلوا المسلمين إلى عمر وأعلموه بذلك، فقدم عليهم وعليه ثوب مرقع سبع عشرة رقعة بينها رقعة من أديم (٢)، فلما رآه الروحانية (٣) والقسوس على هذه الصفة سلموا بيت المقدس إليه من غير قتال. فأين هذا مما يفعله جهال.


(١) البذاذة: من بذ: اذا رثت هيئته.
(٢) الاديم: الجلد المدبوغ.
(٣) نسبة الى الروح، ويقصد رجال الدين النصارى.

<<  <   >  >>