للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الباب السابع في ذكر تلبيس إبليس على الولاة والسلاطين]

قال المصنف: قد لبس عليهم إبليس من وجوه كثيرة نذكر أمهاتها (١).

فالوجه الأول أنه يريهم أن الله ﷿ يحبهم ولولا ذلك ما ولاهم سلطانه ولا جعلهم نوابا عنه في عباده. وينكشف هذا التلبيس بأنهم إن كانوا نوابا عنه في الحقيقة فليحكموا بشرعه وليتبعوا مراضيه، فحينئذ يحبهم لطاعته. فأما صورة الملك والسلطنة فانه قد أعطاها خلقا ممن يبغضه وقد بسط الدنيا لكثير ممن لا ينظر إليه. وسلط جماعة من أولئك على الأولياء والصالحين فقتلوهم وقهروهم، فكان ما أعطاهم عليهم لا لهم. ودخل ذلك في قوله تعالى: ﴿إنما نملي لهم ليزدادوا إثما﴾ (آل عمران: ١٧٨).

والثاني أنه يقول لهم: الولاية تفتقر إلى هيبة، فيتكبرون عن طلب العلم ومجالسة العلماء فيعملون بآرائهم فيتلفون الدين، والمعلوم أن الطبع يسرق من خصال المخالطين فإذا خالطوا مؤثري الدنيا الجهال بالشرع سرق الطبع من خصالهم مع ما عنده منها ولا يرى ما يقاومها ولا ما يزجره عنها وذلك سبب الهلاك.

والثالث أنه يخوفهم الأعداء ويأمرهم بتشديد الحجاب فلا يصل إليهم أهل المظالم، ويتوانى من جعل بصدد رفع المظالم. وقد روى أبو مريم الأسدي عن النبي قال: «من ولاه الله شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله ﷿ دون حاجته وخلته وفقره» (٢).

والرابع أنهم يستعملون من لا يصلح ممن لا علم عنده ولا تقوى، فيجتلب الدعاء عليهم بظلمة الناس. ويطعمهم الحرام بالبيوع الفاسدة ويحد من لا يجب عليه الحد. ويظنون أنهم يتخلصون من الله ﷿ مما جعلوه في عنق الوالي. هيهات إن العامل على الزكاة إذا وكل الفساق بتفرقتها فخانوا ضمن.


(١) أي أهمها أو أصولها.
(٢) رواه أبو داود واللفظ له والحاكم بنحوه. وقال صحيح الاسناد، ورواه الترمذي بمعناه ومعنى الخلة: الفقر والحاجة.

<<  <   >  >>