للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخرى، فحسن لهم الكبر بالعلم، والحسد للنظير، والرياء لطلب الرياسة، فتارة يريهم أن هذا كالحق الواجب لهم، وتارة يقوي حب ذلك عندهم فلا يتركونه مع علمهم بأنه خطأ. وعلاج هذا لمن وفق إدمان النظر في إثم الكبر والحسد والرياء وإعلام النفس أن العلم لا يدفع شر هذه المكتسبات، بل يضاعف عذابها لتضاعف الحجة بها. ومن نظر في سير السلف من العلماء العاملين استحقر نفسه فلم يتكبر. ومن عرف الله لم يراء، ومن لاحظ جريان أقداره على مقتضى إرادته لم يحسد.

وقد يدخل إبليس على هؤلاء بشبهة ظريفة، فيقول: طلبكم للرفعة ليس بتكبر لانكم نواب (١) الشرع، فانكم تطلبون إعزاز الدين ودحض أهل البدع وإطلاقكم اللسان في الحساد غضب للشرع إذ الحساد قد ذموا من قام به، وما تظنونه رياء فليس برياء لان من تخاشع منكم و تباك اقتدى به الناس كما يقتدون بالطبيب إذا احتمى أكثر من اقتدائهم بقوله إذا وصف لنفسه.

وكشف هذا التلبيس: أنه لو تكبر متكبر على غيرهم من جنسهم وصعد في المجلس فوقه أو قال حاسد عنه شيئا لم يغضب هذا العالم لذلك كغضبه لنفسه، وإن كان المذكور من نواب الشرع فعلم أنه إنما لم يغضب لنفسه بل للعالم. وأما الرياء فلا عذر فيه لأحد ولا يصلح أن يجعل طريقا لدعاية الناس. وقد كان أيوب السختياني إذا حدث بحديث فرق (٢) مسح وجهه وقال: ما أشد الزكام - وبعد هذا فالأعمال بالنيات والناقد بصير، وكم من ساكت عن غيبة المسلمين إذا اغتيبوا عنده فرح قلبه وهو آثم بذلك من ثلاثة أوجه أحدها - الفرح فانه حصل بوجود هذه المعصية من المغتاب. والثاني - لسروره بثلب المسلمين. والثالث - أنه لا ينكر.

فصل

وقد لبس إبليس على الكاملين في العلوم فيسهرون ليلهم ويدأبون نهارهم في تصانيف العلوم ويريهم إبليس أن المقصود نشر الدين. ويكون مقصودهم الباطن انتشار الذكر وعلو الصيت والرياسة وطلب الرحلة من الآفاق الى المصنف.


(١) النائب: من قام مقام غيره في أمر أو عمل.
(٢) أي رق قلبه كما صرح بذلك في (نقد مسالك الصوفية في الوجد) في هذا الكتاب.

<<  <   >  >>