للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطعام يضرني. وقد رووا في ذلك حكاية عن أبي طالب الرازي قال: حضرت مع أصحابنا في موضع فقدموا اللبن وقالوا لي: كل، فقلت: لا آكله فانه يضرني فلما كان بعد أربعين سنة صليت يوما خلف المقام ودعوت الله ﷿، وقلت: اللهم إنك تعلم أني ما أشركت بك طرفة عين، فسمعت هاتفا يهتف بي ويقول: ولا يوم اللبن.

قال المصنف: وهذه الحكاية الله أعلم بصحتها: - واعلم أن من يقول هذا يضرني، لا يريد أن ذلك يفعل الضرر بنفسه وإنما يريد أنه سبب الضرر كما قال الخليل صلوات الله وسلامه عليه: ﴿رب انهن أضللن كثيرا من الناس﴾ (إبراهيم: ٣٦). وقد صح عن رسول الله أنه قال: «ما نفعني مال كمال أبى بكر» (١). وقوله: ما نفعني مقابل لقول القائل: ما ضرني وصح عنه أنه قال. ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان قطعت أبهري (٢). وقد ثبت أنه لا رتبة أولى من رتبة النبوة وقد نسب النفع إلى المال والضرر إلى الطعام فالتحاشي عن سلوك طريقه تعاط (٣) على الشريعة فلا يلتفت إلى هذيان من هذى في مثل هذا.

فصل

قال المصنف: وقد بينا أنه كان أوائل الصوفية يخرجون من أموالهم زهدا فيها. وذكرنا أنهم قصدوا بذلك الخير إلا أنهم غلطوا في هذا الفعل كما ذكرناه من مخالفتهم بذلك الشرع والعقل فأما متأخروهم فقد مالوا إلى الدنيا وجمع المال من أي وجه كان إيثارا للراحة وحبا للشهوات. فمنهم من يقدر على الكسب ولا يعمل ويجلس في الرباط (٤) أو المسجد ويعتمد.


(١) رواه احمد وابن ماجه وأبو يعلى عن أبي هريرة. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير اسحاق بن أبي اسرائيل وهو ثقة مأمون ١٠. ١ هـ. وصححه المناوي في «فيض القدير».
(٢) رواه البخاري بلفظ «ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم».
ومعنى تعاودني: أي تأتيني مرة بعد مرة. والابهر عرق بباطن القلب تتشعب منه سائر الشرايين، اذا انقطع مات صاحبه.
(٣) تعاطى الامر: خاض فيه، ويقصد هنا مجانبة الحق.
(٤) الرباط واحد الرباطات وهي المعاهد المبنية والموقوفة للفقراء.

<<  <   >  >>