للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في فيه، وقد نال بذلك فضيلة أثيب عليها بكثرة الاصحاب، وهذا السدى فعله معصية توجب العقوبة. وفي الجملة لما فقد هؤلاء العلم كثر تخبيطهم.

وبإسناد عن محمد بن علي الكتاني يقول: دخل الحسين بن منصور

مكة في ابتداء أمره، فجهدنا حتى أخذنا مرقعته، قال السوسي: أخذنا منها قملة فوزناها، فإذا فيها نصف دانق من كثرة رياضته وشدة مجاهدته.

قلت: أنظروا إلى هذا الجاهل بالنظافة التي حث عليها الشرح وأباح حلق الشعر المحظور على المحرم لأجل تأذيه من القمل، وجبر (١) الحظر بالفدية، وأجهل من هذا من أعتقد هذا رياضته.

وبإسناد عن أبي عبد الله بن مفلح يقول: كان عندنا فقير صوفي في الجامع، فجاع مرة جوعا شديدا، فقال: يا رب اما ان تطعمني واما أن ترميني بشرف المسجد، فجاء غراب فجلس على الشرف (٢)، فوقعت عليه من تحت رجله آجرة، فجرى دمه وكان يمسح الدم، ويقول: أيش تبالي بقتل العالم.

قلت: قتل الله هذا، ولا أحياه في مقابلته هذا الاستنباط، هلا قام إلى الكسب أو إلى الكدية (٣).

و باسناد عن غلام خليل، قال: رأيت فقيرا يعدو ويلتفت ويقول: أشهدكم على الله هو ذا يقتلني، وسقط ميتا.

فصل

وفي الصوفية قوم يسمون الملانفية، اقتحموا الذنوب، وقالوا: مقصودنا أن نسقط من أعين الناس فنسلم من الجاه، وهؤلاء قد أسقطوا جاههم عند الله لمخالفة الشرع. قال: وفي القوم طائفة يظهرون من أنفسهم أقبح ما فيه ويكتمون أحسن ما هم عليه، وفعلهم هذا من أقبح الأشياء، ولقد قال رسول الله : «من أتى شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله» (٤). وقال في حق ماعز: «هلا سترته


(١) أي جعل الفدية كفارة.
(٢) مفردها شرف، وهي ما اشرف من البناء.
(٣) الكدية: الاستعطاء.
(٤) رواه مالك عن زيد بن اسلم مرسلا وقد تقدم قريبا.

<<  <   >  >>